وقوله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم فيه بيان للنصيب المفروض في قوله تعالى : للرجال نصيب إلى قوله تعالى : نصيبا مفروضا والنصيب المفروض هو الذي بين مقداره في قوله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم وقد روي عن أنه قرأ : ابن عباس كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين فقال : قد نسخ هذا قوله تعالى : للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون .
وقال : " كان الميراث للولد وكانت الوصية للوالدين والأقربين ، فنسخ الله تعالى من ذلك ما أحب ، فجعل مجاهد ، وجعل للولد الذكر مثل حظ الأنثيين " . قال لكل واحد من الأبوين السدس مع الولد : وقد كان الرجل إذا مات وخلف زوجته اعتدت سنة كاملة في بيته ينفق عليها من تركته ، وهو قوله تعالى ابن عباس والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج ثم نسخ ذلك بالربع أو الثمن .
وقوله تعالى : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض نسخ به على النحو الذي بينا ؛ وكذلك قوله تعالى : التوارث بالحلف وبالهجرة وبالتبني يوصيكم الله في أولادكم هي آية محكمة غير منسوخة ، وهي موجبة لنسخ الميراث بهذه الأسباب التي ذكرنا ؛ لأنه جعل الميراث للمسمين فيها ، فلا يبقى لأهل هذه الأسباب شيء ، وذلك موجب لسقوط حقوقهم في هذه الحال . وروى محمد بن عبد الله بن عقيل عن جابر [ ص: 8 ] بن عبد الله قال : قتل معك يوم أحد ولم يدع لهما عمهما مالا إلا أخذه ، فما ترى يا رسول الله ؟ فوالله لا تنكحان أبدا إلا ولهما مال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقضي الله في ذلك فنزلت سورة النساء : ثابت بن قيس يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين الآية ، فقال صلى الله عليه وسلم : ادع لي المرأة وصاحبها فقال لعمهما : أعطهما الثلثين وأعط أمهما الثمن وما بقي فلك . جاءت امرأة من الأنصار ببنتين لها فقالت : يا رسول الله هاتان بنتا
قال : قد حوى هذا الخبر معاني : منها أن العم قد كان يستحق الميراث دون البنتين على عادة أهل الجاهلية في توريث المقاتلة دون النساء والصبيان ، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك حين سألته المرأة بل أقر الأمر على ما كان عليه وقال لها : " يقضي الله في ذلك " ثم لما نزلت الآية أمر العم بدفع نصيب البنتين والمرأة إليهن ؛ وهذا يدل على أن العم لم يأخذ الميراث بديا من جهة التوقيف بل على عادة أهل الجاهلية في المواريث ؛ لأنه لو كان كذلك لكان إنما يستأنف فيما يحدث بعد نزول الآية وما قد مضى على حكم منصوص متقدم لا يعترض عليه بالنسخ ، فدل على أنه أخذه على حكم الجاهلية التي لم ينقلوا عنها . أبو بكر
وروى عن سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر قال : جابر بن عبد الله يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين . مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني فأتاني وقد أغمي علي ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رش علي من وضوئه فأفقت فقلت : يا رسول الله كيف تقضي في مالي ؟ فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية المواريث :
قال : ذكر في الحديث الأول قصة المرأة مع بنتيها وذكر في هذا الحديث أن أبو بكر سأله عن ذلك ، وجائز أن يكون الأمران جميعا قد كانا ؛ سألته المرأة فلم يجبها منتظرا للوحي ثم سأله جابرا في حال مرضه ، فنزلت الآية وهي ثابتة الحكم مثبتة للنصيب المفروض في قوله تعالى : جابر للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون الآية . ولم يختلف أهل العلم في أن يوصيكم الله في أولادكم أولاد الصلب ، وأن ولد الولد غير داخل مع ولد الصلب ، وأنه إذا لم يكن ولد الصلب فالمراد أولاد البنين دون أولاد البنات ، فقد انتظم اللفظ أولاد الصلب وأولاد الابن إذا لم يكن ولد الصلب ، وهذا يدل على صحة قول أصحابنا فيمن المراد بقوله تعالى : أنه لولده لصلبه ، فإن لم يكن له ولد لصلبه فهو لولد ابنه . وقوله تعالى : أوصى لولد فلان للذكر مثل حظ الأنثيين قد أفاد أنه إن كان ذكرا وأنثى فللذكر سهمان وللأنثى سهم ، وأفاد أيضا [ ص: 9 ] أنهم إذا كانوا جماعة ذكورا وإناثا أن لكل ذكر سهمين ولكل أنثى سهما ، وأفاد أيضا أنه إذا كان مع الأولاد ذوو سهام نحو الأبوين والزوج والزوجة أنهم متى أخذوا سهامهم كان الباقي بعد السهام بين الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين وذلك ؛ لأن قوله تعالى : للذكر مثل حظ الأنثيين اسم للجنس يشتمل على القليل والكثير منهم ، فمتى ما أخذ ذوو السهام سهامهم كان الباقي بينهم على ما كانوا يستحقونه لو لم يكن ذو سهم .