ولما وصفهم بالإيمان جملة أشار إلى بعض تفصيله على وجه يدخل [ ص: 87 ] فيه أهل الكتاب دخولا أوليا ، فقال : والذين يؤمنون ، أي يوجدون هذا الوصف بعد سماعهم للدعوة إيجادا مستمرا بما أنـزل إليك أي من القرآن والسنة سواء كان قد وجد أو سيوجد ؛ وما أنـزل من قبلك أي على الأنبياء الماضين ، ولما كان الإيمان بالبعث من الدين بمكان عظيم جدا بينه بالتقديم إظهارا لمزيد الاهتمام فقال : وبالآخرة أي التي هي دار الجزاء ومحل التجلي وكشف الغطاء ونتيجة الأمر .
قال : الآخرة معاد الأمر بعد تمامه على أوليته . انتهى . الحرالي
ولما تقدم من الاهتمام عبر بالإيقان وأتى بضمير الفصل فقال : هم يوقنون [ ص: 88 ] لأن ذلك قائد إلى كل خير ، وذائد عن كل ضير ، والإيقان - كما قال - : صفاء العلم وسلامته من شوائب الريب ونحوه ، من يقن الماء وهو ما نزل من السماء فانحدر إلى كهف جبل فلم يتغير من قرار ولا وارد . انتهى . فهو يكون بعد شك ولذا لا يوصف به الله . والوصف بهذه الأوصاف كما ترى إشارة إلى أمهات الأعمال البدنية [ ص: 89 ] والمالية من الأفعال والتروك ، فالإيمان أساس الأمر ، والصلاة مشار بها إلى التحلي بكل خير والتخلي عن كل شر ، الحرالي إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وكلاهما من أعمال البدن ، والنفقة عمل مالي ، فحصل بذلك حصر الفعل والترك الضابطين لجميع الأعمال كيف ما تشعبت ، وصرح بالفعل وأومى إلى الترك إيماء لا يفهمه إلا البصراء تسهيلا على السالكين ، لأن الفعل من حيث هو - ولو كان صعبا - أيسر على النفس من الكف عما تشتهي . وفي وصفهم أيضا بالإيمان بما أنزل إليه وإلى من قبله من التقريع والتبكيت لمن سواهم ما ستراه في الآيات الآتية .