ولما كان هذا [الذي -] تقدم إنذارا بذلك المشهد، كان التقدير: أنذر قومك ذلك المشهد وما يسمعونه فيه ويبصرونه وأنذرهم يوم الحسرة نفسه في ذلك المشهد العظيم، يوم تزل القدم، ولا ينفع الندم، للمسيء على إساءته، وللمحسن على عدم ازدياده من الإحسان.
[ولما كان يوم مفعولا، لا ظرفا، أبدل منه، أو علل الإنذار فقال -]: إذ أي حين، أو لأنه، [وعبر عن المستقبل بالماضي، إيذانا بأنه أمر حتم لا بد منه فقال -]: قضي الأمر أي أمره وفرغ منه بأيسر شأن وأهون أمر، وقطعنا أنه لا بد من كونه وهم حال من أنذرهم أي والحال أنهم [الآن -] في غفلة عما قضينا [أن يكون في ذلك الوقت ] من أمره، لا شعور لهم بشيء منه، [ ص: 201 ] بل يظنون أن الدهر هكذا حياة وموت بلا آخر وهم لا يؤمنون بأنه لا بد من كونه; [وفي -] الصحيح ما يدل على أن يوم الحسرة حين يذبح الموت فقد روى عن مسلم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي سعيد وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر الآية. "يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيقال: يا أهل الجنة! هل تعرفون هذا، فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم! هذا الموت، ويقال: يا أهل النار! هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم! هذا الموت، فيؤمر به فيذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة! خلود فلا موت، ويا أهل النار! خلود فلا موت، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية: فذلك قوله
وأما الغفلة ففي الدنيا، روى في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم ابن حبان إذ قضي الأمر وهم في غفلة قال في الدنيا. قال المنذري: وهو في بمعناه في آخر حديث. مسلم
ولما كان الإرث هو حوز الشيء بعد موت أهله، وكان سبحانه [ ص: 202 ] قد قضى بموت الخلائق أجمعين، وأنه يبقى وحده، عبر عن ذلك بالإرث مقررا به مضمون الكلام السابق، فقال مؤكدا تكذيبا لقولهم: إن الدهر لا يزال هكذا، حياة لقوم وموت لآخرين