ثم وصل بذلك ما كان فيه قبل من فقال: الدليل العقلي على وحدة الصانع واختياره الذي جعل لكم أيها الخلائق الأرض أي أكثرها مهدا تفترشونها، وجعل بعضها جبالا لا يمكن القرار عليها، وبعضها رخوا تسرح فيه الأقدام وبعضها جلدا - إلى غير ذلك مما تشاهدون فيها من الاختلاف وسلك لكم فيها سبلا أي سهل طرقا تسلكونها في أراض سهلة وحزنة وسطها بين الجبال والأودية والرمال، وهيأ لكم فيها من المنافع من المياه والمراعي ما يسهل ذلك، وجعل فيها ما لا يمكن استطراقه أصلا، من أن نسبة الكل إلى الطبيعة واحدة، فلولا أن الفاعل واحد مختار لم يكن هذا التفاوت وعلى هذا النظام البديع وأنـزل من السماء ماء تشاهدونه واحدا في اللون والطعم.
ولما كان ما ينشأ عنه أدل على العظمة وأجلى للناظر وأظهر للعقول.
[ ص: 297 ] استغرق صلى الله عليه وسلم في بحار الجلال، فاستحضر أن الآمر له بهذا الكلام هو المتكلم به في الحقيقة فانيا عن نفسه وعن جميع الأكوان، فعبر عن ذلك، عادلا عن الغيبة إلى لفظ المتكلم المطاع بما له من العظمة بقوله: فأخرجنا أي بما لنا من العظمة التي تنقاد لها الأشياء المختلفة به أزواجا [أي -] أصنافا متشاكلة ليس فيها شيء يكون واحدا لا شبيه له من نبات شتى أي مختلفة جدا في الألوان والمقادير والمنافع والطبائع والطعوم;