ولما كانت دور الملوك لا تحتمل مثل ذلك، وكان قد قدم سبحانه عنايته بآدم عليه السلام اهتماما به، وكان الخبر عن زوجه وعن إبليس لم يذكر، فكانت نفس السامع لم تسكن عن تشوفها إلى سماع بقية الخبر، أجاب عن ذلك بأنه أهبط من داره المقدسة الحامل على المخالفة والمحمول وإن كان قد هيأه بالاجتباء لها، فقال على طريق الاستئناف: قال أي الرب الذي انتهكت حرمة داره: اهبطا منها أيها الفريقان: آدم وتبعه، وإبليس جميعا
ولما كان السياق لوقوع النسيان وانحلال العزم بعد أكيد العهد، حرك العزم وبعث الهم بإيقاع العداوة التي تنشأ عنها المغالبة، فتبعث الهمم وتثير العزائم، فقال في جواب من كأنه قال: على أي حال يكون الهبوط: بعضكم لبعض عدو وهو صادق بعداوة كل من الفريقين للفريق الآخر: فريق إبليس - الذين هم الجن - بالإضلال، وفريق [ ص: 361 ] الإنس بالاحتراز منهم بالتعاويذ والرقى وغير ذلك، وبعداوة بعض كل فريق لبعضه فإما أي فتسبب عن ذلك العلم بأنه لا قدرة لأحد منكم على التحرز من عدوه إلا بي ولا حرز لكم من قبلي إلا اتباع أمري، فإما يأتينكم أي أيها الجماعة الذين هم أضل ذوي الشهوات من المكلفين مني هدى تحترزون به عن استهواء العدو واستزلاله فمن اتبع عبر بصيغة "افتعل" التي فيها تكلف وتتميم للتبع الناشئ عن شدة الاهتمام هداي الذي أسعفته به من أوامر الكتاب والرسول المؤيد بدلالة العقل، وللتعبير بصيغة "افتعل" قال: فلا يضل أي بسبب ذلك، عن طريق السداد في الدنيا ولا في الآخرة أصلا ولا يشقى أي في شيء من سعيه في واحدة منهما، فإن الشقاء عقاب الضلال، ويلزم من نفيه نفي الخوف والحزن بخلاف العكس، فهو أبلغ مما في البقرة، فإن المدعو إليه في تلك مطلق العبادة، والمقام في هذه للخشية والبعث على الجد بالعداوة إلا تذكرة لمن يخشى وللإقبال على الذكر من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا والتحفظ من المخالفة ولو بالنسيان فنسي ولم نجد له عزما قال الرازي في اللوامع: والشقاء: فراق العبد من الله، والسعادة وصوله [ ص: 362 ] إليه; وقال الأصبهاني عن رضي الله عنهما: ضمن الله عز وجل لمن اتبع القرآن أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ابن عباس