ولما كان توليهم بعد هذه القواطع مستبعدا، أشار إلى ذلك بإيراده بأداة الشك فقال: فإن تولوا أي لم يقبلوا ما دعوتهم إليه فقل [أي لهم -]: آذنتكم أي أعلمتكم ببراءتي منكم وأني غير راجع إليكم أبدا كما أنكم تبرأتم مني ولم ترجعوا إلي، فصار علمكم أن لا صلح بيننا مع التولي كعلمي وعلم من اتبعني. لتتأهبوا لجميع ما تظنونه ينفعكم، [فهو كمن بينه وبين أعدائه هدنة فأحس منهم بغدره، فنبذ إليهم العهد، شهر ذلك النبذ وأشاعه فلم يخفه عن أحد منهم، وهو مما اشتهر أنه بلغ النهاية في الفصاحة والوجازة -]، أو أبلغتكم [ ص: 512 ] جميع ما أرسلت به ولم أخص به أحدا دون أحد، وهذا كله معنى على سواء أي إيذانا مستعليا على أمر نصف وطريق عدل، ليس فيه شيء من خفاء ولا غش ولا خداع ولا غدر، بل نستوي فيه نحن وأنتم.
ولما كان من لازم البراءة من شخص الإيقاع [به -] كان موضع أن يقولوا هزؤا على عادتهم: نبذت إلينا على سواء فعجل لنا ما تتوعدنا به، فقال: وإن أي وما أدري أقريب جدا بحيث يكون قربه على ما تتعارفونه أم بعيد ما توعدون من عذاب الله في الدنيا بأيدي المسلمين أو بغيره، أو في الآخرة مع العلم بأنه كائن لا محالة، وأنه لا بد أن يلحق من أعرض عن الله الذل والصغار.