ولما شرط لقبولها شرطا ووهى [ ص: 79 ] ما عري منها [عنه] أتبعه التصريح بالنهي عن إهماله والنص على محقه لها وإبطاله وضرب لذلك مثلا وضرب للمثل مثلا مبالغة في الزجر عن ذلك فقال: يا أيها الذين آمنوا أي أقروا بذلك صدقوا إقراركم بأن لا تبطلوا قال فبين أن ما اشترطه في الأجر المطلق مبطل للإنفاق. انتهى. الحرالي: صدقاتكم بالمن والأذى فربما وازى عقابهما ثواب الصدقة أو زاد فكان كالإبطال لأوله إلى أن لا ثواب. قال فألحق عمل الإخلاص بآفة ما تعقبه بما بني على أصل الرياء. انتهى. فقال: الحرالي: كالذي ينفق ماله لغير الله، إنما ينفقه رئاء الناس أي لقصد أن يروه. قال هو الفعل المقصود به رؤية الخلق غفلة عن رؤية الحق وعماية عنه. الحرالي:
ولما شبه المان والمؤذي بالمرائي لأنه أسقط الناس وأدناهم همة وأسوؤهم نظرا وأعماهم قلبا فأولو الهمم العلية لا سيما العرب أشد شيء نفرة منه وأبعده عنه وكان لمن يرائي حالان ألحقه [ ص: 80 ] بأشدهما فقال: ولا يؤمن بالله أي الذي له صفة الكمال واليوم الآخر الذي يقع فيه الجزاء بعد نقد الأعمال جيدها من رديئها. قال ولما ضرب مثلا لنماء النفقة بالحرث ضرب مثلا لإبطالها بخطإ الحارث في الحرث فقال: الحرالي: فمثله في إنفاقه مقارنا لما يفسده، ومثل نفقته كمثل صفوان وما زرع عليه، وهو صيغة مبالغة من الصفا وهي الحجارة الملس الصلبة التي [لا] تقبل انصداعها بالنبات. انتهى. عليه تراب فاغتر به بعض الجهلة فزرع عليه.
ولما كانت إزالة التراب عما وقع عليه عقب وقوعه أجدر ما زالت بحذافيره ولا سيما إن كان حجرا أملس قال إبلاغا في إبطال الرياء للعمل: فأصابه أي عقب كون التراب عليه من غير مهمة بخلاف ما يأتي من الربوة فإنها صفة لازمة فلو تعقبها المطر لدام بدوامها فأفسدها وابل أي مطر كثير فأزال التراب عنه فتركه صلدا أي صخرا لا يقبل النبات بوجه بل يخيب من [ ص: 81 ] يأمله كما يقال أصلد الزند إذا لم يور، فجعل قلب المؤذي المان بمنزلة الصفوان الذي أصابه وابل المطر، فأذهب عائد نفقته كما أذهب بذر الحارث على الصفوان وابل المطر الذي شأنه أن يصلح البذر، قاله الحرالي وفيه تصرف. ولما بان بهذا بطلان العمل في المثل والممثول ترجمه بقوله: لا يقدرون أي الممثل لهم والممثل بهم على شيء مما كسبوا فالآية من الاحتباك ولما كان الزارع على مثل هذا عجبا في الضلال والغباوة وكان التقدير: فإن الله لا يقبل عمل المؤذين كما لا يقبل عمل المرائين، عطف عليه معلما أنه يعمي البصراء عن أبين الأمور إذا أراد ومهما شاء فعل قوله: والله الذي له الحكمة كلها لا يهدي أي لوجه مصلحة. ولما كان كل من المؤذي والمرائي قد غطى محاسن عمله بما جره من السوء قال: القوم الكافرين وفي ذكره ولهذه الجملة وحدها أشد ترهيب للمتصدق على هذا الوجه.