ولما فرغ من مثل العاري عن الشرط ضرب للمقترن بالشرط من [ ص: 82 ] الإنفاق مثلا منبها فيه على أن غيره ليس مبتغى به وجه الله فقال: ومثل قال عطفا على الحرالي: كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر عطف مقابلة وعلى مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله عطف مناسبة. انتهى. الذين ينفقون أموالهم أي مثل نفقاتهم لغير علة دنياوية ولا شائبة نفسانية بل ابتغاء مرضات الله أي الذي له الجلال والإكرام فلذلك صلح كل الصلاح فعري عن المن والأذى وغيرهما من الشوائب الموجبة للخلل قال والمرضاة مفعلة لتكرر الرضى ودوامه. انتهى. الحرالي: وتثبيتا من أنفسهم بالنظر في إصلاح العمل وإخلاصه بالحمل على الحلم والصفح والصبر على جميع مشاق التكاليف فإن من راض نفسه بحملها على بذل المال الذي [هو] شقيق [ ص: 83 ] الروح وذلت له خاضعة وقل طمعها في اتباعه لشهواتها فسهل عليه حملها على سائر العبادات، ومتى تركها وهي مطبوعة على النقائص زاد طمعا في اتباع الشهوات ولزوم الدناءات، فمن للتبعيض مفعول به مثلها في قولهم: لين من عطفه وحرك من نشاطه كمثل جنة أي بستان ومثل صاحبها. قال ولما كان حرث الدنيا حبا وثمرا جعل نفقات الأخرى كذلك حبا وتمرا. فمن أنفق في السبيل جعل مثله كالحب، ومن أنفق ابتغاء لمرضاة الله جعل مثله كالجنة التي لها أصل ثابت تدور عليها الثمرات وهي ثابتة وتستغني من الماء بما لا يستغني به الحرث لأن الحرث مستجد في كل وقت، كما أن الجهاد واقع عند الحاجة إليه والمنفق ابتغاء مرضاة الله ينفق في كل وجه دائم الإنفاق، فكان مثله مثل الجنة الدائمة ليتطابق المثلان بالممثولين، فعمت هذه النفقة جهات الإنفاق كلها في جميع [ ص: 84 ] سبل الخير. انتهى. الحرالي: بربوة أي مكان عال ليس بجبل. قال في إعلامه أن خير الجنات ما كان في الربوة لتنالها الشمس وتخترقها الرياح اللواقح، فأما ما كان من الجنان في الوهاد تجاوزتها الرياح اللواقح من فوقها فضعفت حياتها، لأن الرياح هي حياة النبات "الريح من نفس الرحمن" انتهى. ثم وصفها بقوله: الحرالي: أصابها وابل أي مطر كثير فآتت أكلها أي أخرجته بإذن الله سبحانه وتعالى حتى صار في قوة المعطي ضعفين أي مثل ما كانت تخرجه لو أصابها دون الوابل، كذا قالوا: مثلين، والظاهر أن المراد أربعة أمثاله، لأن المراد بالضعف قدر الشيء ومثله معه فيكون الضعفان أربعة. والله سبحانه وتعالى أعلم; والآية من الاحتباك، ذكر المنفق أولا دال على حذف صاحب الجنة ثانيا، وذكر الجنة ثانيا دال على حذف النفقة أولا.
ولما كان الوابل قد لا يوجد قال: فإن لم يصبها وابل فطل أي فيصيبها لعلوها طل، وهو الندى الذي ينزل في الضباب. وقال الطل [سن] من أسنان المطر خفي لا يدركه الحس حتى يجتمع، فإن المطر ينزل خفيا عن الحس وهو الطل، ثم يبدو بلطافة وهو الطش، ثم يقوى وهو الرش، ثم يتزايد ويتصل وهو الهطل، ثم يكثر ويتقارب وهو الوابل، ثم يعظم سكبه وهو الجود; فله [ ص: 85 ] أسنان مما لا يناله الحس للطافته إلى ما لا يحمله الحس كثرة. انتهى. والمعنى أن أهل هذا الصنف لا يتطرق إلى أعمالهم فساد، غايتها أن يطرقها النقص باعتبار ضعف النيات، ولذلك كان التقدير تسبيبا عن ذلك: فالله بما تستحقون على نياتكم عليم، فعطف عليه قوله: الحرالي: والله أي المحيط علما وقدرة بما تعملون أي بما ظهر منه بصير كما هو كذلك بما بطن، فاجتهدوا في إحسان الظاهر والباطن. وقدم مثل العاري عن الشرط عليه لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح.