ولما رغب سبحانه وتعالى في الإنفاق وختم آياته بما يقتضي الوعد من أصدق القائلين بالغنى والإثابة في الدارين أتبعه بما للعدو الكاذب من ضد ذلك فقال محذرا من البخل - في جواب من كأنه قال: هذا ما لا يشك فيه فما للنفوس لا توجد غالبا إلا شحيحة بالإنفاق-: الشيطان أي الذي اسمه أسوأ الأسماء، فإنه يقتضي الهلاك والبعد، وأحد الوصفين كاف في مجانبته فكيف إذا اجتمعا! يعدكم الفقر المانع من الإنفاق. قال الذي لخوفه تقاطع أهل الدنيا وتدابروا وحرصوا وادخروا. وكل ذلك لا يزيل الفقر، كل حريص فقير ولو ملك الدنيا، وكل مقتنع غني، ومن حق من كان عبدا لغني أن يتحقق أنه غني يغني سيده، ففي خوف الفقر إباق العبد عن ربه; والفقر فقد ما إليه الحاجة في وقت من قيام المرء في ظاهره وباطنه. انتهى. الحرالي: ويأمركم بالفحشاء المبطلة له من المن والأذى وغيرهما من مستلذات الأنفس وربما كان فيها إتلاف الأموال وإذهاب [ ص: 92 ] الأرواح. وقال الحرالي: وأعظم مراد بها هنا البخل الذي هو أدوأ داء، لمناسبة ذكر الفقر، وعليه ينبني شر الدنيا والآخرة ويلازمه الحرص ويتابعه الحسد ويتلاحق به الشر كله [انتهى] وفيه تصرف. وكل ما اجتمعت عليه استقباحات العقل والشرع والطبع فهو فحشاء،
ولما ذكر ما للعدو من الشر أتبعه سبحانه وتعالى بما له من الخير فقال مصرحا بما تقدم التلويح به: والله أي الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى الرحيم الودود يعدكم مغفرة منه لما وقع منكم من تقصير، وفيه إشعار بأنه لا يقدر أحد أن يقدر الله حق قدره لما له من الإحاطة بصفات الكمال ولما جبل عليه الإنسان من النقص وفضلا بالزيادة في الدارين، وكل نعمة منه فضل; ثم أكد ذلك بقوله: والله أي المحيط بكل كمال واسع لتضمنه معنى [حليم] غني، وأتبعه بقوله: عليم إشارة إلى أنه لا يضيع شيئا وإن دق. قال وفي إشعاره توهين لكيد الشيطان ووعد كريم للمفتون بخوف الفقر وعمل الفحشاء لما [ ص: 93 ] علمه من ضعف الأنفس وسرعة قبولها من الوسواس. انتهى. فختم آخر آيات الأمثال بما ختم به أولها ترغيبا وترهيبا. الحرالي: