ولما رغب في الفعل وتخليصه عن الشوائب أتبعه المال المنفق منه فأمر بطيبه فقال: يا أيها الذين آمنوا أي أقروا بالإيمان أنفقوا أي تصديقا لإيمانكم من طيبات ما كسبتم وإنما قدم الفعل لأنه ألصق بالإنسان وتطييبه أعم نفعا، ولما ذكر ما أباحه سبحانه وتعالى من أرباح التجارات ونحوها أتبعه ما أباحه من منافع النباتات ونحوها منبها بذلك على أن كل ما يتقلب العباد فيه من أنفسهم وغيرها نعمة منه أنشأها من الأرض التي أبدعها من العدم ترغيبا في الجود به وفي جعله خيارا حلالا وترهيبا من الشح به وجعله دينا أو حراما فقال: ومما أخرجنا أي بعظمتنا لكم نعمة منا عليكم من الأرض قال قدم خطاب المكتسبين بأعمالهم كأنهم المهاجرون وعطف عليهم المنفقين من الحرث والزرع كأنهم الأنصار. انتهى. الحرالي:
ولما أمر بذلك أكد الأمر به بالنهي عن ضده فقال: ولا تيمموا أي لا تتكلفوا أن تقصدوا الخبيث منه أي خاصة [ ص: 90 ] تنفقون قال الخبيث صيغة مبالغة بزيادة الياء من الخبث وهو ما ينافر حس النفس: ظاهره وباطنه، في مقابله ما يرتاح إليه من الطيب الذي ينبسط إليه ظاهرا وباطنا، وقال: ففي إلاحته معنى حصر كأنهم لا ينفقون إلا منه ليتجاوز النهي من ينفق من طيبه وخبيثه على غير قصد اختصاص النفقة من الخبيث. انتهى. ثم أوضح قباحة ذلك بقوله: الحرالي: ولستم بآخذيه أي إذا كان لكم على أحد حق فأعطاكموه إلا أن تغمضوا أي تسامحوا فيه بالحياء مع الكراهة. قال من الإغماض وهو الإغضاء عن العيب فيما يستعمل، أصله من الغمض وهي نومة تغشى الحس ثم تنقشع، وقال: ولما كان الآخذ هو الله سبحانه وتعالى ختم بقوله: الحرالي: واعلموا انتهى.
وعبر بالاسم الأعظم فقال: أن الله المستكمل لجميع صفات الكمال من الجلال والجمال غني يفضل على من أسلف خيرا رغبة فيما عنده وليست به حاجة تدعوه إلى أخذ الرديء ولا رغبكم في أصل الإنفاق لحاجة منه إلى شيء مما عندكم [ ص: 91 ] وإنما ذلك لطف منه بكم ليجري عليه الثواب والعقاب حميد يجازي المحسن أفضل الجزاء على أنه لم يزل محمودا ولا يزال عذب أو أثاب. قال وهي صيغة مبالغة بزيادة ياء من الحمد الذي هو سواء أمر الله الذي لا تفاوت فيه من جهة إبدائه وافق الأنفس أو خالفها. الحرالي: