ولما استشرفت النفس إلى معرفة جوابه عن هذه الأمور المهمة شفى عناءها بقوله ، إعلاما بأنه سبحانه استجاب له في كل ما سأل : قال قول كامل القدرة شامل العلم كما هو وصفه سبحانه : [ ص: 18 ] كلا أي : ارتدع عن هذا الكلام ، فإنه لا يكون شيء مما خفت ، لا قتل ولا غيره -وكأنه لما كان التكذيب مع ما قام على الصدق من البراهين ، المقوية لصاحبها ، الشارحة لصدره ، المعلية لأمره ، عد عدما- وقد أجبناك إلى الإعانة بأخيك فاذهبا أي : أنت وهو متعاضدين ، إلى ما أمرتك به ، مؤيدين بآياتنا الدالة على صدقكما على ما لها من العظمة بإضافتها إلينا; ثم علل تأمينه له بقوله : إنا بما لنا من العظمة معكم أي : كائنون عند وصولكما إليهم فيمن اتبعكما من قومكما; ثم أخبر خبرا آخر بقوله : مستمعون أي : سامعون بما لنا من العظمة في القدرة وغيرها من صفات الكمال ، إلى ما تقولان لهم ويقولون لكما ، فلا نغيب عنكم ولا تغيبون عنا ، فنحن نفعل معكما من المعونة والنصر فعل القادر الحاضر لما يفعل بحبيبه المصغي له بجهده ، ولذلك عبر بالاستماع; قال أبو حيان : وكان شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير يرجح أن يكون أريد بصورة الجمع [المثنى] والخطاب لموسى وهارون فقط ، لأن لفظة "مع" تباين من يكون كافرا ، فإنه لا يقال : الله معه ، وعلى أنه أريد بالجمع التثنية حمله "كأنهما لشرفهما" عند الله تعالى عاملهما في الخطاب معاملة الجمع إذ كان ذلك جائزا أن يعامل به الواحد لشرفه وعظمته - انتهى. وهو كلام نفيس مؤيد [ ص: 19 ] بتقديم الظرف ، ويكون حينئذ خطابهما مشاكلا لتعظيم المتكلم سبحانه نفسه ، لأن المقام للعظمة ، سيبويه ، على أنه يجوز أن يكون ذلك إشارة إلى البشارة بمن يتبعهما كما قدرته ، ويجوز أن تكون المعية للكل كما في قوله تعالى : وعظمة الرسول من عظمة المرسل ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم الآية .