ولما اعتلوا في الوقوف عن الإيمان بخوف التخطف ، فذكرهم نعمته عليهم بإقامة ، وعرفهم أنه هو وحده الذي تخشى سطواته ، ويتقي أخذه لمن خالفه وبطشاته ، وكان خوفهم من عواقب المتابعة إما على أنفسهم وإما على ما بأيديهم من المتاع ، علم من ذلك كله قطعا أن التقدير بما سبب أسباب الأمن وإدرار الرزق بمثل مصارع الأولين : فأنفسكم في خطر من خوف الهلاك من القادر عليكم كقدرته على من قبلكم بسبب التوقف عن المتابعة أشد من خطر [ ص: 331 ] الخوف من التخطف بسبب المتابعة ، أو يكون التقدير : فما خفتم منه التخطف غير ضائركم ، وكفكم عن المتابعة لأجله غير مخلدكم ، فما إهلاككم على الله بأي وجه كان بعزيز- فعطف على هذا الذي أرشد السياق إلى تقديره قوله : التخويف من عواقب الظلم وما أوتيتم أي : من [أي] مؤت كان من شيء أي : من هذه الأشياء التي بأيديكم وغيرها فمتاع أي : فهو متاع الحياة الدنيا وليس يعود نفعه إلى غيرها ، فهو إلى نفاد وإن طال زمن التمتع به وزينتها أي : وهو ، فليست هي ولا شيء منها بأزلي ولا أبدي زينة الحياة الدنيا [التي] هي كلها - فضلا عن زينتها - إلى فناء وما عند الله أي : الملك الأعلى مما تثمره لكم المتابعة من الثواب الذي وعدكموه في الدار الآخرة التي دل عليها دلالة واضحة إطباقكم على وصف هذه بالدنيا ، ومن أصدق وعدا منه خير على تقدير مشاركة ما في الدنيا له في الخيرية في ظنكم ، لأن الذي عنده أكثر وأطيب وأظهر ، وأحسن وأشهى ، وأبهج وأزهى ، "و" هو مع ذلك كله أبقى لأنه وإن شارك متاع الدنيا في أنه لم يكن أزليا فهو أبدي.
فلما بان أنه لا يقدم على خطر المخالفة المذكور خوفا من خطر المتابعة الموصوف عاقل ، توجه الإنكار عليهم في قوله تعالى : أفلا تعقلون