ولما فرغ من مثلهم ومما تتوقف صحته عليه ، كان كأنه قيل على وجه التعظيم لهذا المثل : هذا مثلهم فعطف عليه قوله إشارة إلى : أمثال القرآن كلها تعظيما لها وتنبيها على جليل قدرها وعلي شأنها وتلك الأمثال أي : العالية عن أن تنال بنوع احتيال; ثم استأنف قوله : نضربها بما لنا من العظمة ، بيانا للناس تصويرا للمعاني المعقولات بصور المحسوسات ، لعلها تقرب من عقولهم فينتفعوا بها ، وهكذا حال التشبيهات كلها في طرق للأفهام إلى المعاني المحتجبة في الأستار ، تبرزها وتكشف عنها وتصورها.
[ ص: 445 ] ولما كانوا يتهكمون بما رأوه من الأمثال مذكورا به الذباب والبعوض ونحوهما قال مجملا لهم : وما يعقلها أي : حق عقلها فينتفع بها إلا العالمون أي : الذين هيئوا للعلم وجعل طبعا بما بث في قلوبهم من أنواره ، وأشرق في صدورهم من أسراره ، فهم يضعون الأشياء مواضعها; روى الحارث بن أبي أسامة عن رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : جابر "العالم الذي عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه" ، قال : والمثل كلام سائر يتضمن تشبيه الآخر بالأول.
البغوي