ولما قدم أنه ، وصحح ذلك بالمشاهدة في القرون البائدة ، وقربه إلى الأذهان بالمثل المستولي على غاية البيان ، وختم ذلك أنه حجب فهمه عن أكثر خلقه ، دل على ذلك كله بقوله مظهرا لقوته وسائر صفات كماله ، بعدما حقق أن أولياءهم في أنزل مراتب الضعف : لا معجز له سبحانه ، ولا ناصر لمن أخذ خلق الله أي : الذي لا يدانى في عظمة ولا جلال ، ولا جمال ولا كمال السماوات والأرض بالحق أي : الأمر الذي يطابقه الواقع ، أو بسبب إظهار أن الواقع يطابق إخباره ، أو بسبب إثبات الحق وإبطال الباطل ، فلا تجد أحدا يفهم عنه [ ص: 446 ] حق الفهم مع تساويهم في الإنسانية إلا وهو من أهل السكينة ، والإخبات والطمأنينة ، ولا يعجزه أحد يريد أخذه ، ولا يفلح أحد عصى أنبياءه ، فبانت عزته ، وظهرت حكمته ، فطابق الواقع ما أخبر به ، وأيضا فالأمثال إنما تكون بالمحسوسات ، وهي إما سماوية أو أرضية ، فإيجاد هذه الموجودات إنما هو لأجل العلم بالله تعالى.
ولما كان المراد بالعالم قد يخفي ، بينه بقوله مشيرا بالتأكيد إلى أن حالهم في عدم الانتفاع بالنظر فيها حال من ينكر أن يكون فيها دلالة : إن في ذلك أي : الأمر العظيم من تأملهم لمطابقة الواقع لإخباره سبحانه ، فلا يخبر بشيء إلا كان الواقع منهما أو مما فيهما يطابقه سواء بسواء لآية أي : دلالة مسعدة للمؤمنين أي : الذين هم العالمون في الحقيقة ، حداهم علمهم بما في الكونين من المنافع المترتبة على النظام المعروف مع ما في خلقهما أنفسهما مع كبر الأجرام وبديع الإحكام ، على الإيمان بجميع ما أخبر به حتى لم يكن عندهم نوع شك ، وصار لهم صفة لا تنفك.