ولما بين ما يترتب على الإجابة إلى ما أشار إلى أن اليهود اقترحوه من إنزال الكتاب - أخبر أنهم اقترحوا ظهور الملك [لهم] ، وبين لوازمه ، فإنهم قالوا : لو بعث الله رسولا لوجب كونه ملكا ليكون أكثر [ ص: 26 ] علما وأقوى قدرة وأظهر امتيازا عن البشر ، فتكون الشبهة في رسالته أقل ، والحكيم إذا أراد تحصيل مهم كان الأولى تحصيله بما هو أسرع إيصالا إليه ، فقال : وقالوا لولا أي : هلا ولم لا أنـزل عليه ملك أي : من السماء ظاهرا لنا يكلمنا ونكلمه ولا يحتجب عنا .
ولما ذكر قولهم مشيرا إلى شبهتهم ، نقضه بقوله : ولو أي : والحال أنا لو أنـزلنا وأسقط أداة الاستعلاء لعدم الاحتياج في رد كلامهم إلى ذكرها . ولئلا يكون فيه تسليهم لما لوحوا إليه من إنكارهم نزول الملك عليه بالوحي ملكا أي : كما اقترحوه ، فلا يخلو إما أن يكون على صورته أو لا ، فإن كان على صورته التي خلق عليها لم يثبتوا لرؤيته ، ولو كان كذلك لقضي الأمر أي : بهلاكهم ، وبناه للمفعول إشارة على طريق كلام القادرين إلى غاية السرعة لسهولة الأمر وخفة مؤنته ، فإنه لا ينظره أحد منهم إلا صعق ، ولئن أعطيناهم قوة يثبتون بها لنظره ليكونن قضاء للأمر وانفصال للنزاع من وجه آخر ، وهو أن ذلك كشف للغطاء وفوات للإيمان بالغيب ، وقد جرت عادتنا بالإهلاك عند ذلك ، فإذا هم هالكون على كل من هذين التقديرين ، وهو معنى قوله مهولا لرتبته بحرف التراخي : ثم لا ينظرون أي : على حالة من هاتين ، وأما إن جعلناه على صورة يستطيعون نظرها فإنا نجعله [ ص: 27 ] على صورة رجل ، فإنها أكمل الصور ، وحينئذ يقع لهم اللبس الذي وقع لهم بدعائك ، وهو معنى