ولما أقام لهم بهذه الآية على توحيده الدليل حتى استنارت السبل في تذكيرهم أن التضرع قد يكشف به البلاء ، أخبرهم أن تركه يوجب الشقاء ، ترغيبا في إدامته وترهيبا من مجانبته ، فقال : ولقد أرسلنا أي : بما لنا من العظمة إلى أمم أي : أناس يؤم بعضهم بعضا ، وهم أهل لأن يقصدهم الناس ، لما لهم من الكثرة والعظمة .
ولما كان المراد بعض الأمم ، وهم الذين أراد الله إشهادهم وقص أخبارهم - أدخل الجار ، فقال : من قبلك أي : رسلا فخالفوهم ، وحسن هذا الحذف كونه مفهوما فأخذناهم أي : فكان إرسالنا إليهم سببا [ ص: 114 ] لأن أخذناهم بعظمتنا ، ليرجعوا عما زين لهم الشيطان إلى ما تدعوهم إليه الرسل بالبأساء من تسليط القتل عليهم والضراء بتسليط الفقر والأوجاع لعلهم يتضرعون أي : ليكون حالهم حال من يرجى خضوعه وتذلله على وجه بليغ ، بما يرشد إليه - مع صيغة التفعيل - الإظهار ، ولأن مقصودها الاستدلال على التوحيد ، وعند الكشف للأصول ينبغي الإبلاغ في العبادة ، بخلاف ما يأتي في الأعراف .