فلما نسوا ما ذكروا به أي : فتسبب - عن تركهم التذكير والأخذ بفائدته التي هي التخشع والتسكن ، كما هو اللائق بهم لا سيما في تلك الحالة - أنا فتحنا أي : بما يليق بعظمتنا عليهم أبواب كل شيء أي : من الخيرات والأرزاق والملاذ التي كانت مغلقة عنهم ونقلناهم من [ ص: 115 ] الشدة إلى الرخاء ، وذلك استدراجا لهم ، ومددنا زمانه وطولنا أيامه حتى إذا فرحوا أي : تناهى بهم الفرح بما أوتوا أي : معرضين عمن آتاهم هذا الرخاء بعد أن كان ابتلاهم بذلك ، فعلم أنهم في غاية من الغباوة ، لا يرتدعون بالتأديب بسياط البلاء ، ولا ينتفعون ببساط المنة والرخاء ، بل ظنوا أن البلاء عادة الزمان ، والرخاء باستحقاقهم الامتنان ، فعلم أن قلوبهم لا يرجى لها انتباه بحار ولا بارد ولا رطب ولا يابس أخذناهم بعظمتنا ، وإنما أخذناهم في حال الرخاء ليكون أشد لتحسرهم بغتة فلم نمكنهم من التضرع عند خفوق الأمر ، ولا أمهلناهم أصلا بل نزل عليهم من أثقال العذاب ، وأباح بهم من أحمال الشدائد وصروف البلايا ما أذهلهم وشغلهم عن كل شيء حتى بهتوا فإذا هم مبلسون أي : تسبب عن ذلك البغت أن فاجؤوا السكوت على ما في أنفسهم واليأس تحسرا وتحيرا ، واستمروا بعد أن سكتوا إلى أن همدوا وخفتوا ، ففي نفي التضرع عن المتقدمين بعد أن أثبته لمشركي هذه الأمة استعطاف لطيف ، وفي ذكر استدراج أولئك بالنعم عند نسيان ما ذكروا به إلى ما أخذهم بغتة من قواصم النقم - غاية التحذير .