ولما كان طلبهم للآيات - أي : العلامات الدالة على الصدق تارة بالرحمة في إنزال الأنهار والكنوز وإراحة الحياة ، وتارة بالعذاب من إيقاع السماء عليهم كسفا ونحو ذلك - ليس في يده ولا عنده تعين وقت نزوله ، وأمره هنا أن يصرح لهم بالمباينة ويؤيسهم من الملاينة ما داموا على المداهنة ، أمره بأن يخبرهم بما هو متمكن فيه من النور وما هم فيه من العمى بقوله : قل إني وأشار إلى تمكنه في الأدلة الظاهرة والحجج القاهرة بحرف الاستعلاء ، فقال : على بينة أي : إن العدو إنما يصانع عدوه إما لعدم الثقة بالنصرة عليه وتعذيبه بعداوته ، وإما لعدم وثوقه بأنه على الحق ، وأما أنا فواثق بكلا الأمرين من ربي أي : المحسن إلي بإرسالي بعد الكشف التام لي عن سر الملك والملكوت " و " الحال أنكم " كذبتم به " أي : ربي حيث رددتم رسالته فهو منتقم منكم لا محالة .
ولما قيل ذلك ، فرض أن لسان حالهم قال : فائتنا بهذه البينة ! فقال : إن ربي تام القدرة ، فلا يخاف الفوت فلا يعجل ، وأما أنا فعبد ما عندي أي : [في] قدرتي وإمكاني ما تستعجلون به أي : في قولكم ( أمطر علينا حجارة من السماء ) ونحوه حتى أحكم فيكم بما يقتضيه [ ص: 134 ] طبع البشر من العجلة إن أي : ما الحكم في شيء من الأشياء ، هذا وغيره إلا لله أي : الذي له الأمر كله فلا كفؤ له ، ثم استأنف قوله مبينا أنه سبحانه يأتي بالأمر في الوقت الذي حده له على ما هو الأليق به من غير قدرة لأحد غيره على تقديم ولا تأخير فقال : يقص أي : يفصل وينفذ بالتقديم والتأخير ، وهو معنى قراءة الحرميين ( يقص ) أي : يقطع القضاء أو القصص وعاصم الحق ويظهره فيفصله من الباطل ويوضحه ، ليتبعه من قضى بسعادته ، ويتنكب عنه من حكم بشقاوته وهو خير الفاصلين لأنه إذا أراد ذلك لم يدع لبسا لمن يريد هدايته ، وجعل في ذلك الظاهر سببا لمن يريد ضلالته;