وتعجب منهم في ظنهم خوفه من معبوداتهم بقوله منكرا : وكيف أخاف ما أشركتم أي : من دون الله من الأصنام وغيرها مع أنها لا تقدر على شيء [ ص: 166 ] ولا أي : والحال أنكم أنتم لا تخافون أنكم أشركتم بالله أي : المستجمع لصفات العظمة والقدرة على العذاب والنقمة .
ولما كان له - سبحانه - أن يفعل ما يشاء قال : ما لم ينـزل به أي : بإشراكه ; ولما كان المقام صعبا لأنه أصل الدين - أثبت الجار والمجرور وقدمه ، فقال : عليكم سلطانا أي : حجة تكون مانعة من إنزاله الغضب بكم ، والحاصل أنه - عليه السلام - أوقع الأمن في موضعه وهم أوقعوه في موضع الخوف ، فعجب منهم لذلك فبان أن هذا وقول شعيب - عليه السلام - في الأعراف وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا الآية ، وقوله تعالى في الكهف : ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله من مشكاة واحدة; ولما كان المحذور المنفي هنا إنما هو خوف الضرر من آلهتهم ، وكان حصول الضرر لمخالفها بواسطة أتباعها أو غيرهم من سنن الله الجارية في عباده - اقتصر الخليل - عليه السلام - على صفة الربوبية المقتضية للرأفة والرحمة والكفاية والحماية ، وقد وقع في قصته الأمران : إمكانهم من أسباب ضرره بإيقاد النار وإلقائهم له فيها ، ورحمته بجعلها عليه بردا وسلاما . ولما كان المحذور في قصة شعيب - عليه السلام - العود في ملتهم - زاد الإتيان بالاسم الأعظم الجامع لجميع الكمالات المنزه عن جميع النقائص المقتضي لاستحضار الجلال والعظمة والتفرد والكبر المانع من دنو ساحات الكفر ، [ ص: 167 ] والله الموفق .
ولما بان كالشمس بما أقام من الدليل أنه أحق بالأمن منهم ، قال مسببا عما مضى تقريرا لهم : فأي الفريقين أي : حزب الله وحزب ما أشركتم به ، ولم يقل : فأينا ، تعميما للمعنى أحق بالأمن وألزمهم بالجواب حتما بقوله : إن كنتم تعلمون أي : إن كان لكم علم فأخبروني عما سألتكم عنه;