ولما كان إبراهيم - عليه السلام - قد انتصب لإظهار حجة الله في التوحيد والذب عنها ، وكان التقدير -تنبيها للسامع على حسن ما مضى ندبا لتدبره - : هذه مقاولة إبراهيم - عليه السلام - لأبيه وقومه -عطف عليه قوله معددا وجوه نعمه عليه وإحسانه إليه ، دالا على إثبات النبوة بعد إثبات الوحدانية : وتلك أي : وهذه الحجة العظيمة الشأن التي تلوناها عليكم ، وهي ما حاج إبراهيم - عليه السلام - به قومه ، وعظمه بتعظيمها فقال : حجتنا أي : التي يحق لها - بما فيها من الدلالة - أن تضاف إلينا ؛ لأنها من أشرف النعم وأجل العطايا آتيناها أي : بما لنا من العظمة إبراهيم وأوقفناه على حقيقتها وبصرناه بها ، ونبه على ارتفاع شأنها بأداة الاستعلاء مضمنا لـ ( آتينا ) ( أقمنا ) ، فقال : على قومه أي : مستعليا عليهم غالبا لهم قائمة عليهم الحجة التي نصبها ، ثم زاد في الإعلام بفضله بقوله مستأنفا : نرفع أي : بعظمتنا درجات من نشاء بما لنا من القدرة على ذلك كما رفعنا [ ص: 169 ] درجة إبراهيم - عليه السلام - على جميع أهل ذلك العصر .
ولما كانت محاجته لهم على قانون الحكمة بالعالم العلوي الذي نسبوا الخلق والتدبير بالنور والظلمة إليه ، وكان في ختام محاجته لهم أن الجاري على قانون الحكمة أن الملك الحق لا يهين جنده فلا خوف عليهم ، وكان قبل ذلك في الاستدلال على البعث الذي هو محط الحكمة ; كان الأنسب أن يقدم في ختم الآية وصف الحكمة فقال : إن ربك أي : خاصا لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بالمخاطبة باسم الإحسان تنبيها على أن حجبه الدليل عمن يشاء لحكم أرادها - سبحانه - ففيه تسلية له - صلى الله عليه وسلم - حكيم أي : فلا يفعل بحزبه إلا ما ظنه به خليله - صلى الله عليه وسلم - مما يقر أعينهم ، إما في الدنيا وإما في الآخرة وإما فيهما عليم فلا يلتبس عليه أحد من غيرهم ، فيفعل به ما يحل بالحكمة .