ولما كان هذا متضمنا لأنهم نقصوا أموالهم بأنفسهم في غير طائل فجعلوها لمن لا يستحقها - نبه تعالى على أن ذلك تزيين من أضلهم من الشياطين من سدنة الأصنام وغيرهم من الإنس ومن الجن المتكلمين من أجواف الأصنام وغيرهم ، فقال منبها على أنهم زينوا لهم ما هو أبين منه وكذلك أي : ومثل ما زين لجميع المشركين تضييع أموالهم والكفر بربهم شركاؤهم زين لكثير من المشركين
[ ص: 282 ] ولما كان المزين لخسته أهل لأن لا يقبل تزيينه ولا يلتفت إليه - فكان امتثال قوله غريبا ، وكان الإقدام على فعل الأمر المزين أشد غرابة - قدمه تنبيها على ذلك فقال : قتل أولادهم أي : بالوأد خشية الإملاق والنحر لآلهتهم ، وشتان بين من يوجد لهم الولد ويرزقه والرزق ويخلقه وبين من لا يكون إلا سببا في إعدامه; ولما كان في هذا غاية الغرابة تشوفت النفس إلى فاعل التزيين ، فقال : شركاؤهم أي : وهم أقل منهم بما يخاطبون به من أجواف الأصنام وبما يحسن لهم السدنة والأهوية بسبب الأصنام .
ولما كان هذا أمرا معجبا ، كان الأمر في قراءة المولود في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - المشمول ببركة ذلك العصر ، الآخذ عن جلة من الصحابة ، الموصوف بغزارة العلم ومتانة الدين وقوة الحفظ والضبط وحجة النقل في إسناد الفعل إلى الشركاء بإضافة المصدر إلى فاعله - أعجب ، وفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول - وهو الأولاد - لأن وقوع القتل فيهم - كما تقدم - أعجب . ابن عامر
ولما كان ذلك ربما كان لفائدة استهين لها هذا الفعل العظيم - ذكر أنه ليس له فائدة إلا الهلاك في الدنيا والدين الذي هو هلاك في الآخرة ليكون ذلك أعجب فقال : ليردوهم أي : ليهلكوهم هلاكا لا فائدة فيه بوجه وليلبسوا أي : يخلطوا ويشبهوا عليهم دينهم [ ص: 283 ] أي : وهو دين إبراهيم الذي أمره الله بذبح ولده إسماعيل - عليهما السلام - فما أقدم عليه إلا بأمر الله ثم إنه فداه ولم يمض ذبحه ، فخالف هؤلاء عن أمر الشركاء الأمرين معا فجمعوا لهم بذلك بين إهلاكين : في النفس والدين ، فإن القتل في نفسه عظيم جدا ، ووقوعه تدينا بغير أصل ولا شبهة أعظم ، فلا أضل ممن تبع من كان سببا لإهلاك نفسه ودينه .
ولما كان العرب يدعون الأذهان الثاقبة والأفكار الصافية والآراء الصائبة والعقول الوافرة النافذة - ذكر لهم ذلك على سبيل التعليل ؛ استهزاء بهم ، يعني : أنهم فعلوا ذلك لهذه العلة فلم يفطنوا بهم ولم يدركوا ما أرادوا بكم مع أنهم حجارة ، فأنتم أسفل منهم; ولما أثبت للشركاء فعلا هو التزيين ، وكان قد نفى سابقا عنهم وعن سائر أعداء الأنبياء الاستقلال به ، وأناط الأمر هناك - لأن السياق للأعداء - بصفة الربوبية المقتضية للحياطة والعناية ، وكان الكلام هنا في خصوص الشركاء - علق الأمر باسم الذات الدال على الكمال المقتضي للعظمة والجبروت والكبر وسائر الأسماء الحسنى على وجه الإحاطة والجلال ، فقال : ولو شاء الله أي : بما له من العظمة والإحاطة بجميع أوصاف الكمال المقتضية للعلو عن الأنداد والتنزه عن الشركاء والأولاد أن لا يفعله المشركون ما فعلوه أي : ذلك الذي زين لهم ، بل ذلك إنما هو بإرادته ومشيئته احتراسا من ظن أنهم يقدرون على شيء استقلالا ، وتسلية [ ص: 284 ] لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتخفيفا ، وأكد التسلية بقوله : فذرهم وما يفترون أي : يتقولون من الكذب ويتعمدونه .