ولما رد دين المشركين وأثبت دينه ، وكانوا قد فصلوا الحرمة بالنسبة إلى ذكور الآدمي وإناثه ، ألزمهم تفصيلها بالنسبة إلى ذكور الأنعام وإناثه ، ففصل أمرها في أسلوب أبان فيها أن فعلهم رث القوى هلهل النسيج بعيد من قانون الحكمة ، فهو موضع للاستهزاء وأهل للتهكم ، فقال بيانا لـ حمولة وفرشا ثمانية أزواج أي : أصناف ، لا يكمل صنف منها إلا بالآخر ، أنشأها بزواج كل من الذكر والأنثى الآخر ، ولحق بتسميتهم الفرد بالزوج - بشرط أن يكون آخر من جنسه - تسميتهم الزجاجة كأسا بشرط أن يكون فيها خمر .
ولما كان الزوج يطلق على الاثنين وعلى ما معه آخر من نوعه ، قال مبينا أن هذا هو المراد لا الاثنان مفصلا لهذه الثمانية : من الضأن جمع ضائن وضائنة كصاحب وصحب اثنين أي : ذكرا وأنثى كبشا ونعجة ومن المعز جمع ماعز وماعزة كخادم وخدم في قراءة ابن كثير وأبي عمرو ، وتاجر وتجر في [ ص: 295 ] قراءة غيرهم وابن عامر اثنين أي : زوجين ذكرا وأنثى تيسا وعنزا .
ولما كان كأنه قيل : ما المراد بهذا التفصيل قبل سؤالهم عن دينهم - قال : قل أي : لهم مستفهما; ولما كان هذا الاستفهام بمعنى التوبيخ والتهكم والإنكار ، أتى فيه بـ (أم) التي هي مع الهمزة قبلها بمعنى (أي) ليتفهم بها عما يعلم ثبوت بعضه وإنما يطلب تعيينه ، فقال معترضا بين المعدودات تأكيدا للتوبيخ ؛ لأن الاعتراضات لا تساق إلا للتأكيد : آلذكرين
ولما كان المستفهم عنه بنصبه ما بعده لا ما قبله ، قال : حرم أي : الله ، فإن كان كذلك لزمكم تحريم جميع الذكور أم الأنثيين ليلزمكم تحريم جميع الإناث ، واستوعب جميع ما يفرض من سائر الأقسام في قوله : أما أي : أم حرم ما اشتملت أي : انضمت عليه وحملته أرحام الأنثيين أي : من الذكور والإناث ، ومتى كان كذلك لزمكم تحريم الكل فلم تلزموا شيئا مما أوجبه هذا التقسيم ، فلم تمشوا على نظام .
ولما علم أنه لا نظام لهم فعلم أنهم جديرون بالتوبيخ - زاد في توبيخهم فقال : نبئوني أي : أخبروني عما حرم الله من هذا إخبارا جليلا عظيما; ولما كان هذا الإخبار الموصوف لا يكون بشيء فيه شك ، قال : بعلم أي : أمر معلوم من جهة الله لا مطعن فيه إن كنتم صادقين أي : إن كان لكم هذا الوصف .