ولما كان المال عديل الروح من حيث إنه لا قوام لها إلا به - ابتدأ الآية التي تليها بالأموال ، ولما كان أعظمها خطرا وحرمة مال اليتيم لضعفه وقلة ناصره - ابتدأ به فنهى عن قربه فضلا عن أكله أو شربه  [ ص: 319 ] فقال : ولا تقربوا مال اليتيم   أي : بنوع من أنواع القربان - عمل فيه أو غيره - إلا بالتي هي أحسن  من الخصال من السعي في تنميته وتثميره وليستمر ذلك حتى يبلغ أشده  وهو سن يبلغ به أوان حصول عقله عادة وعقل يظهر به رشده; ثم ثنى بالمقادير على وجه يعم ، فقال : وأوفوا  أي : أتموا الكيل والميزان  لأنهما الحكم في أموال الأيتام  وغيرهم. ولما كان الشيء ربما أطلق على ما قاربه نحو " قد قامت الصلاة " أي : قرب قيامها ، وهذا وقت كذا - وإذا قرب جدا ، أزيل هذا الاحتمال بقوله : بالقسط  أي : إيفاء كائنا به من غير إفراط ولا تفريط . 
ولما كانت المقادير لا تكاد تتساوى لا سيما الميزان فإنه أبعدها من ذلك ، وأقربها الذرع وهو داخل في الكيل ، فإنه يقال : كال الشيء بالشيء : قاسه - أشار إلى أنه ليس على المكلف المبني أمره على العجز للضعف إلا الجهد ، فقال : لا نكلف  أي : على ما لنا من العظمة نفسا إلا وسعها  وما وراء الوسع معفو عنه; ثم ثلث بالعدل في القول لأنه الحكم على الأموال وغيرها ، وقدم عليه الفعل لأنه دال عليه ، فصار الفعل موصى به مرتين ، فقال : وإذا قلتم  أي : في شهادة أو في حكم أو توفيق بين اثنين أو غير ذلك فاعدلوا  أي : توفيقا بين القول والفعل . 
ولما كانت النفوس مجبولة على الشفقة على القريب - قال :  [ ص: 320 ] ولو كان  أي : المقول في حقه له أو عليه بشهادة أو غيرها ذا قربى  ولا تحابوه طمعا في مناصرته أو خوفا من مضارته; ثم ختم بالعهد لجمعه الكل في القول والفعل فقال : وبعهد الله  أي : الملك الأعظم خاصة أوفوا  وهذا يشمل كل ما على الإنسان وله ، فإن الله لم يهمل شيئا بغير تقدم فيه; ثم أكد تعظيم ذلك بقوله : ذلكم  أي : الأمر المعتنى به وصاكم به  أي : ربكم المحسن إليكم . 
ولما كانت هذه الأفعال والأقوال شديدا على النفس العدل فيها لكونها شهوات - تقدم بالترغيب فيها والترهيب منها بأن كل من يفعل شيئا منها مع غيره يوشك أن يفعل معه مثله ؛ فلذلك حض على التذكر في الوصية بها ولأنها خفية تحتاج إلى مزيد تدبر ، فقال : لعلكم تذكرون  أي : لتكونوا بحيث يحصل لكم التذكر - ولو على وجه خفي بما أشار إليه الإدغام - فيما جبلت عليه نفوسكم من محبة مثل ذلك لكم ، فتحكموا لغيركم بما تحكمون به لأنفسكم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					