ولما تضمن ما مضى تصحيح التوحيد بالأدلة القاطعة وتحقيق أمر القضاء والقدرة وإبطال جميع أديان الضلال ووصفها بتفرق أهلها الدال على بطلانها واعوجاجها ، وختم بهذا التحذير الذي لا شيء أقوم منه ولا أعدل - أمره - صلى الله عليه وسلم - بالإعلان بأمره وأن يصف دينه الذي شرعه له وهداه إليه بما فيه من المحاسن تحبيبا فيه وحثا عليه ولأن ذلك من نتيجة هذه السورة ، فقال : قل وأكد بالإتيان بالنونين ، فقال : إنني هداني أي : بيانا وتوفيقا ربي أي : المحسن إلي بكل خير لا سيما هذا الذي أوحاه إلي وأنزله علي إلى صراط مستقيم أي : طريق واسع بين ، ثم مدحه بقوله : دينا قيما أي : بالغ الاعتدال والاستقامة ثابتها ، هذا على قراءة ابن كثير وأبي عمرو بفتح [ ص: 338 ] القاف وتشديد الياء المكسورة ، وهو في قراءة الباقين بكسر القاف وفتح الياء الخفيفة مصدر بمعنى القيام وصف به للمبالغة ، وزاده مدحا بقوله مذكرا لهم - لتقليدهم الآباء - بأنه دين أبيهم الأعظم : ونافع ملة إبراهيم والملة ما أظهره نور العقل من الهدى في ظلم ما التزمه الناس من عوائد أمر الدنيا - أفاده . ولذلك قال : الحرالي حنيفا أي : لينا هينا سهلا قابلا للاستقامة لكونه ميالا مع الدليل غير جاف ولا كز واقف مع التقليد عمي عن نور الدليل - كما تقدم ذلك في البقرة ، وهو معنى قوله : وما أي : والحال أنه ما كان من المشركين أي : الجامدين مع أوهامهم في ادعاء شريك لله مع رؤيتهم له في كونه لا يضر ولا ينفع ولا يصلح لشركة آدمي فضلا عن غيره بوجه ، لا ينقادون لدليل ولا يصغون إلى قيل ، فكان هذا مدحا لهذا الدين الذي هدى إليه - صلى الله عليه وسلم - وبيانا لأنه الذي اختاره - سبحانه - لخليله إبراهيم - عليه السلام - رجوعا إلى
وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر الذي بنيت السورة في الحقيقة عليه ، وألقيت أزمة أطرافها إليه ، وترغيبا في هذا الدين لأن جميع المخالفين يتشبثون بأذيال إبراهيم - عليه السلام - : العرب وأهل الكتابين بنسبة الأبوة ، والمجوس بنسبة البلد والأخوة ، وأشار بذلك إلى أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - فهم ما حاج به أبوه إبراهيم - عليه السلام - قومه وقبله ، فلم ينسب [ ص: 339 ] كغيره إلى جمود ولا عناد .