ولما تقدم نداء أصحاب الجنة عندما حصل لهم السرور بدخولها لأصحاب النار بما يؤلم وينكي ، وختم بهذه الرحمة التي تطمع المحروم فيما يسر ويزكي -أخبر أن أصحاب النار ينادون أصحاب الجنة عندما حصل لهم من الغم بدخولها ، لكن بما شأنه أن يرقق ويبكي ، فقال ما يدل على أن عندهم كل ما نفي عن أهل الجنة في ختام الآية السالفة من الخوف والحزن : ونادى أصحاب النار أي : بعد الاستقرار أصحاب الجنة بعد أن عرفهم إياهم وأمر الجنة فتزخرفت فكان ذلك زيادة في عذابهم. ثم فسر المنادى به فقال : أن أفيضوا علينا من الماء أي : لأنكم أعلى منا ، فإذا أفضتموه وصل إلينا ، وهذا من فرط ما هم فيه من البلاء ، فإن بين النار والجنة أهوية لا قرار لها ولا يمكن وصول شيء من الدارين إلى الأخرى معها .
ولما كانت الإفاضة تتضمن الإنزال قالوا : أو أي : أو أنزلوا علينا مما رزقكم الله أي : الذي له الغنى المطلق ، من أي شيء هان عليكم إنزاله قالوا أي : أصحاب الجنة إن الله أي : الذي حاز [ ص: 409 ] جميع العظمة حرمهما أي : منعهما بتلك الأهوية وغيرها من الموانع على الكافرين أي : الساترين لما دلهم عليه قويم العقل وصريح النقل