آ. (103) قوله تعالى: ولو أنهم آمنوا : "لو" هنا فيها قولان، أحدهما: أنها على بابها من كونها حرفا لما كان سيقع لوقوع غيره، وسيأتي الكلام في جوابها. وأجاز الزمخشري أن تكون للتمني أي: ليتهم آمنوا على سبيل المجاز عن إرادة الله إيمانهم واختيارهم له، فعلى هذا لا يلزم أن يكون لها جواب لأنها قد تجاب بالفاء حينئذ، وفي كلامه اعتزال موضعه غير هذا الكتاب.
و "أنهم آمنوا" مؤول بمصدر، وهو في محل رفع، واختلف في ذلك على قولين، أحدهما - وهو قول - أنه في محل رفع بالابتداء وخبره محذوف، تقديره: ولو إيمانهم ثابت، وشذ وقوع الاسم بعد لو، وإن كانت مختصة بالأفعال، كما شذ نصب "غدوة" بعد "لدن" . وقيل: لا يحتاج هذا المبتدأ إلى خبر لجريان لفظ المسند والمسند إليه في صلة "أن"، وصحح [ ص: 49 ] الشيخ هذا في سورة النساء، وهذا يشبه الخلاف في "أن" الواقعة بعد ظن وأخواتها، وقد تقدم تحقيقه والله أعلم. والثاني: - وهو قول المبرد - أنه في محل رفع بالفاعلية، رافعه محذوف تقديره: ولو ثبت إيمانهم، لأنها لا يليها إلا الفعل ظاهرا أو مضمرا. وقد رد بعضهم هذا بأنه لا يضمر بعدها الفعل إلا مفسرا بفعل مثله، وهذا يحمل على المبرد، ولكل من القولين دلائل ليس هذا موضعها. والضمير في "أنهم" فيه قولان، أحدهما: عائد على اليهود، والثاني: على الذين يعلمون السحر. سيبويه
قوله: "لمثوبة من عند الله" في هذه اللام قولان، أحدهما: أنها لام الابتداء وأن ما بعدها استئناف إخبار بذلك، وليس متعلقا بإيمانهم وتقواهم ولا مترتبا عليه، وعلى هذا فجواب "لو" محذوف إذا قيل بأنها ليست للتمني أو قيل بأنها للتمني ويكون لها جواب تقديره: لأثيبوا. والثاني: أنها جواب لو، فإن "لو" تجاب بالجملة الاسمية. قال "أوثرت الجملة الاسمية على الفعلية في جواب لو لما في ذلك من الدلالة على ثبوت المثوبة واستقرارها، كما عدل عن النصب إلى الرفع في "سلام عليكم" وفي وقوع جواب "لو" جملة اسمية نظر يحتاج إلى دليل غير محل النزاع. قال الشيخ:" لم يعهد في كلام العرب وقوع الجملة الابتدائية جوابا للو، إنما جاء هذا المختلف في تخريجه، ولا تثبت القواعد الكلية بالمحتمل. الزمخشري:
[ ص: 50 ] والمثوبة فيها قولان أحدهما: أن وزنها مفعولة والأصل مثووبة، فثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى الساكن قبلها، فالتقى ساكنان فحذف أحدهما مثل: مقولة ومجوزة ومصون ومشوب، وقد جاءت مصادر على مفعول كالمعقول، فهي مصدر نقل ذلك والثاني: أنها مفعلة من الثواب بضم العين، وإنما نقلت الضمة منها إلى الثاء، ويقال: "مثوبة" بسكون الثاء وفتح الواو، وكان من حقها الإعلال فيقال: "مثابة" كمقامة، إلا أنهم صححوها كما صححوا في الأعلام مكوزة، وبذلك قرأ الواحدي. أبو السمال كمشورة. ومعنى "لمثوبة" أي: ثواب وجزاء من الله. وقيل: لرجعة إلى الله. وقتادة
قوله: "من عند الله" في محل رفع صفة لمثوبة، فيتعلق بمحذوف، أي: لمثوبة كائنة من عند الله. والعندية هنا مجاز كما تقدم في نظائره. قال الشيخ: "وهذا الوصف هو المسوغ لجواز الابتداء بالنكرة" قلت: ولا حاجة إلى هذا لأن المسوغ هنا شيء آخر وهو الاعتماد على لام الابتداء، حتى لو قيل في الكلام: "لمثوبة خير" من غير وصف لصح. والتنكير في "لمثوبة" يفيد أن شيئا من الثواب - وإن قل - خير، فلذلك لا يقال له قليل، ونظيره: "ورضوان من الله أكبر".
وقوله "خير" خبر لمثوبة، وليست هنا بمعنى أفعل التفضيل، بل هي لبيان أنها فاضلة، كقوله: "أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا" "أفمن يلقى في النار خير"
. [ ص: 51 ] قوله: "لو كانوا يعلمون" جوابها محذوف تقديره: لكان تحصيل المثوبة خيرا، أي تحصيل أسبابها من الإيمان والتقوى، وكذلك قدره بعضهم: لآمنوا. وفي مفعول "يعلمون" وجهان: أحدهما: أنه محذوف اقتصارا أي: لو كانوا من ذوي العلم، والثاني: أنه محذوف اختصارا، تقديره: لو كانوا يعلمون التفضيل في ذلك، أو يعلمون أن ما عند الله خير وأبقى.