و "لو " هذه فيها احتمالان ، أحدهما : أنها على بابها من كونها حرفا لما كان سيقع لوقوع غيره ، أو حرف امتناع لامتناع على اختلاف العبارتين . والثاني : أنها بمعنى "إن " الشرطية . وإلى الاحتمال الأول ذهب ابن عطية . قال والزمخشري : "فإن قلت : ما معنى وقوع " لو تركوا "وجوابه صلة لـ " الذين " ؟ قلت : معناه : وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافا ، وذلك عند احتضارهم خافوا عليهم الضياع بعدهم لذهاب كافلهم وكاسبهم ، كما قال القائل : الزمخشري
1550 - لقد زاد الحياة إلي حبا بناتي أنهن من الضعاف أحاذر أن يرين البؤس بعدي
وأن يشربن رنقا بعد صافي
[ ص: 591 ] وقال : " تقديره : لو تركوا لخافوا ، ويجوز حذف اللام من جواب لو " ، ووجه التمسك بهذه العبارة أنه جعل اللام مقدرة في جوابها ، ولو كانت " لو "بمعنى " إن "الشرطية لما جاز ذلك ، وقد صرح غيرهما بذلك ، فقال :"لو تركوا " "لو " يمتنع بها الشيء لامتناع غيره ، و " خافوا "جواب " لو " . ابن عطية
وإلى الاحتمال الثاني ذهب أبو البقاء وابن مالك ، قال ابن مالك : " لو "هنا شرطية بمعنى " إن " ، فتقلب الماضي إلى معنى الاستقبال ، والتقدير : وليخش الذين إن تركوا ، ولو وقع بعد " لو "هذه مضارع كان مستقبلا كما يكون بعد " إن "وأنشد :
1551 - لا يلفك السراجوك إلا مظهرا خلق الكرام ولو تكون عديما
أي : وإن تكن عديما . ومثل هذا البيت الذي أنشده قول الآخر :
1552 - قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم دون النساء ولو باتت بأطهار
والذي ينبغي : أن تكون على بابها من كونها تعليقا في الماضي .
وإنما حمل ابن مالك على جعلها بمعنى " إن "توهم أنه لما أمر بالخشية - والأمر مستقبل ومتعلق الأمر موصول - لم يصح أن تكون الصلة ماضية على تقدير دلالته على العدم الذي ينافي امتثال الأمر ، وحسن مكان [ ص: 592 ] "لو " لفظ " إن " ، ولأجل هذا التوهم لم يدخل وأبا البقاء " لو "على فعل مستقبل ، بل أتى بفعل ماض مسند للموصول حالة الأمر فقال : " وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا " . قال الشيخ : "وهذا الذي توهموه لا يلزم ، إلا إن كانت الصلة ماضية في المعنى واقعة بالفعل ، إذ معنى " لو تركوا من خلفهم "أي : ماتوا فتركوا من خلفهم ، فلو كان كذلك للزم التأويل في " لو "أن تكون بمعنى " إن "إذ لا يجامع الأمر بإيقاع فعل من مات بالفعل ، أما إذا كان ماضيا على تقدير فيصح أن يقع صلة . وأن يكون العامل في الموصول الفعل المستقبل ، نحو قولك : ليزرنا الذي لو مات أمس لبكيناه " انتهى . الزمخشري
وأما البيتان المتقدمان فلا يلزم من صحة جعلها فيهما بمعنى "إن " أن تكون في الآية كذلك . لأنا في البيتين نضطر إلى ذلك : أما البيت الأول فلأن جواب "لو " محذوف مدلول عليه بقوله : "لا يلفك " وهو نهي ، والنهي مستقبل فلذلك كانت "لو " تعليقا في المستقبل . أما البيت الثاني فلدخول ما بعدها في حيز "إذا " ، و "إذا " للمستقبل .
ومفعول "وليخش " محذوف أي : وليخش الله . ويجوز أن تكون المسألة من باب التنازع ، فإن "وليخش " يطلب الجلالة ، وكذلك "فليتقوا " ، ويكون من إعمال الثاني للحذف من الأول .
قوله : من خلفهم فيه وجهان ، أظهرهما : أنه متعلق بـ "تركوا " ظرفا له . والثاني : أنه متعلق بمحذوف لأنه حال من "ذرية " ، لأنه في الأصل صفة نكرة قدمت عليها فجعلت حالا .
[ ص: 593 ] وأمال ألف "ضعافا " ولم يبال بحرف الاستعلاء لانكساره ، ففيه انحدار فلم ينافر الإمالة . حمزة
وقرأ ابن محيصن : "ضعفا " بضم الضاد والعين ، وتنوين الفاء . والسلمي : "ضعفاء " بضم الضاد وفتح العين والمد ، وهو جمع مقيس في فعيل صفة نحو : ظريف وظرفاء وكريم وكرماء . وقرئ "ضعافى " بالفتح والإمالة نحو : سكارى . وظاهر عبارة وعائشة أنه قرئ : "ضعافى " بضم الضاد مثل سكارى ، فإنه قال : "وقرئ ضعفاء وضعافى وضعافى نحو سكارى وسكارى " فيحتمل أن يريد أنه قرئ بضم الضاد وفتحها ، ويحتمل أن يريد أنه قرئ : "ضعافى " بفتح الضاد دون إمالة ، و "ضعافى " بفتحها مع الإمالة كسكارى بفتح السين دون إمالة ، وسكارى بفتحها مع الإمالة ، والظاهر الأول ، والغالب على الظن أنها لم تنقل قراءة . الزمخشري
وأمال ألف "خاف " للكسرة المقدرة في الألف ، إذ الأصل "خوف " بكسر العين بدليل فتحها في المضارع نحو : "يخاف " ، وعلل حمزة ذلك بأن الكسر قد يعرض في حال من الأحوال ، وذلك إذا أسند الفعل إلى ضمير المتكلم أو إحدى أخواته نحو : خفت وخفنا ، والجملة من "لو " وجوابها صلة "الذين " . أبو البقاء