والبحيرة: فعيلة بمعنى مفعولة، فدخول تاء التأنيث عليها لا ينقاس، ولكن لما جرت مجرى الأسماء الجوامد أنثت، وهذا قد أوضحته في قوله: "والنطيحة". واشتقاقها من البحر، والبحر: السعة، ومنه: "بحر الماء" لسعته. واختلف أهل اللغة في البحيرة عند العرب ما هي ؟ اختلافا كثيرا. فقال "هي الناقة التي تنتج خمسة أبطن في آخرها ذكر، فتشق أذنها وتترك، فلا تركب، ولا تحلب، ولا تطرد عن مرعى ولا ماء، وإذا لقيها المعيي لم يركبها". وروي ذلك عن أبو عبيد: إلا أنه لم يذكر في آخرها ذكرا. وقال بعضهم: "إذا أنتجت الناقة خمسة أبطن نظر في الخامس: فإن كان ذكرا ذبحوه وأكلوه، وإن كان أنثى شقوا أذنها وتركوها ترعى وترد، ولا تركب [ ص: 446 ] ولا تحلب، فهذه هي البحيرة"، وروي هذا عن ابن عباس، وقال بعضهم: "البحيرة: الأنثى التي تكون خامس بطن كما تقدم بيانه، إلا أنها لا يحل للنساء لحمها ولا لبنها، فإن ماتت حلت لهن". وقال بعضهم: "البحيرة: بنت السائبة"، وسيأتي تفسير السائبة، فإذا ولدت السائبة أنثى شقوا أذنها، وتركوها مع أمها ترعى وترد ولا تركب حتى للمعيي، وهذا قول قتادة. وقال بعضهم: "هي التي منع درها - أي: لبنها - لأجل الطواغيت، فلا يحلبها أحد"، وقال بهذا مجاهد بن جبر. وقيل: هي التي تترك في المرعى بلا راع، قاله سعيد بن المسيب. وقيل: إذا ولدت خمس إناث شقوا أذنها وتركوها. وقال بعضهم - ويعزى ابن سيده. -: "إنها إذا ولدت خمسا أو سبعا شقوا أذنها". وقيل: هي الناقة تلد عشرة أبطن فتشق أذنها طولا بنصفين، وتترك فلا تركب ولا تحلب، ولا تطرد عن مرعى ولا ماء، وإذا ماتت حل لحمها للرجال دون النساء"، نقله لمسروق ، وكذا قاله ابن عطية وقيل: البحيرة: السقب إذا ولد نحروا أذنه، وقالوا: اللهم إن عاش فقني وإن مات فذكي، فإذا مات أكلوه. ووجه الجمع بين هذه الأقوال الكثيرة أن العرب كانت تختلف أفعالها في البحيرة. أبو القاسم الراغب.
والسائبة: قيل: كان الرجل إذا قدم من سفر أو شكر نعمة سيب بعيرا فلم يركب، ويفعل به ما تقدم في البحيرة، وهذا قول وقيل: هي [ ص: 447 ] الناقة تنتج عشر إناث، فلا تركب ولا يشرب لبنها إلا ضيف أو ولد، قاله أبي عبيد. . وقيل: ما ترك لآلهتهم، فكان الرجل يجيء بماشيته إلى السدنة، فيتركه عندهم ويسيل لبنه. وقيل: هي الناقة تترك ليحج عليها حجة، ونقل ذلك عن الفراء وقيل: هو العبد يعتق على ألا يكون عليه ولاء ولا عقل ولا ميراث. الشافعي.
والسائبة هنا: فيها قولان، أحدهما: أنها اسم فاعل على بابه من ساب يسيب؛ أي: يسرح، كسيب الماء، وهو مطاوع سبته، يقال: سيبته فساب وانساب. والثاني: أنه بمعنى مفعول، نحو: "عيشة راضية"، ومجيء فاعل بمعنى مفعول قليل جدا نحو: "ماء دافق"، والذي ينبغي أن يقال: إنه فاعل بمعنى ذي كذا؛ أي: بمعنى النسب، نحو قولهم: لابن؛ أي: صاحب لبن، ومنه في أحد القولين: "عيشة راضية وماء دافق"؛ أي: ذات رضى وذا دفق، وكذا هذا؛ أي: ذات سيب.
والوصيلة هنا فعيلة بمعنى فاعلة على ما سيأتي تفسيره، فدخول التاء قياس. واختلف أهل اللغة فيها هل هي من جنس الغنم أو من جنس الإبل ؟ ثم اختلفوا بعد ذلك أيضا، فقال "هي الشاة تنتج سبعة أبطن عناقين عناقين، فإذا ولدت في آخرها عناقا وجديا قيل: وصلت أخاها فجرت مجرى السائبة". وقال الفراء : "هي الشاة إذا ولدت ذكرا كان لآلهتهم، وإذا ولدت أنثى كانت لهم". وقال الزجاج: - رضي الله عنه - هي الشاة تنتج سبعة أبطن، فإذا كان السابع أنثى لم تنتفع النساء منها بشيء، إلا أن تموت فيأكلها الرجال والنساء، وإن كانت ذكرا ذبحوه وأكلوه جميعا، وإن كان [ ص: 448 ] ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها فيتركونها معه لا تذبح، ولا ينتفع بها إلا الرجال دون النساء، فإن ماتت اشتركن مع الرجال فيها". وقال ابن عباس: "إن كان السابع ذكرا ذبح وأكله الرجال دون النساء، وقالوا: ابن قتيبة: "خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا"، وإن كان أنثى تركت في الغنم، وإن كان ذكرا وأنثى، فكقول وقيل: هي الشاة تنتج عشر إناث متواليات في خمسة أبطن ، ثم ما ولدت بعد ذلك فللذكور دون الإناث، وبهذا قال ابن عباس: أبو إسحاق إلا أن وأبو عبيدة، قال: "وإذا ولدت ذكرا وأنثى معا قالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوه لمكانها". وقيل: هي الشاة تنتج خمسة أبطن أو ثلاثة، فإن كان جديا ذبحوه، وإن كان أنثى أبقوها، وإن كان ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها، هذا كله عند من يخصها بجنس الغنم. وأما من قال إنها من الإبل فقال: "هي الناقة تبتكر فتلد أنثى، ثم تثني بولادة أنثى أخرى ليس بينهما ذكر، فيتركونها لآلهتهم، ويقولون: قد وصلت أنثى بأنثى ليس بينهما ذكر". أبا عبيدة
والحامي: اسم فاعل من حمى يحمي؛ أي: منع، واختلف فيه تفسير أهل اللغة، فعن "هو الفحل يولد لولد ولده"، فيقولون: قد حمى ظهره، فلا يركب ولا يستعمل، ولا يطرد عن ماء ولا شجر". وقال بعضهم: "هو الفحل ينتج من بين أولاده ذكورها وإناثها عشر إناث"، روى ذلك الفراء : . وقال بعضهم: "هو الفحل يولد من صلبه عشرة أبطن، فيقولون قد حمى ظهره، فيتركونه كالسائبة فيما تقدم، وهذا قول ابن عطية ابن عباس، [ ص: 449 ] وإليه مال وابن مسعود، أبو عبيدة، وروي عن والزجاج". أنه الفحل يضرب في مال صاحبه عشر سنين. وقال الشافعي ابن زيد: "هو الفحل ينتج له سبع إناث متواليات فيحمي ظهره، فيفعل به ما تقدم. وقد عرفت منشأ خلاف أهل اللغة في هذه الأشياء أنه باعتبار اختلاف مذاهب العرب وآرائهم الفاسدة فيها. وقد أنشدوا في البحيرة قوله:
1815 - محرمة لا يطعم الناس لحمها ولا نحن في شيء كذاك البحائر
وأنشد في السائبة قوله:
1816 - وسائبة لله مالي تشكرا إن الله عافى عامرا أو مجاشعا
وأنشدوا في الوصيلة لتأبط شرا:
1817 - أجدك أما كنت في الناس ناعقا تراعي بأعلى ذي المجاز الوصايلا
وأنشدوا في الحامي قوله:
1818 - حماها أبو قابوس في عز ملكه كما قد حمى أولاد أولاده الفحل [ ص: 450 ]