قوله: فحاق بالذين سخروا فاعل حاق: "ما كانوا"، و "ما" يجوز أن تكون موصولة اسمية، والعائد الهاء في "به"، و "به" يتعلق بـ "يستهزئون"، و "يستهزئون" خبر لـ "كان"، و "منهم" متعلق بسخروا، على أن الضمير يعود على الرسل، قال تعالى: إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم ، ويجوز أن يتعدى بالباء نحو: سخرت به، ويجوز أن يتعلق "منهم" بمحذوف أنه حال من فاعل "سخروا"، والضمير في "منهم" يعود على الساخرين. وقال : "على المستهزئين". وقال أبو البقاء "على أمم الرسل". الحوفي:
وقد رد الشيخ على بأنه يلزم إعادته على غير مذكور. وجوابه أنه في قوة المذكور، ورد على الحوفي بأنه يصير المعنى: فحاق بالذين سخروا كائنين من المستهزئين، فلا حاجة إلى هذه الحال؛ لأنها مفهومة من [ ص: 546 ] قوله: "سخروا". وجوزوا أن تكون "ما" مصدرية، ذكره الشيخ، ولم يتعرض للضمير في "به"، والذي يظهر أنه يعود على الرسول الذي يتضمنه الجمع، فكأنه قيل: فحاق بهم عاقبة استهزائهم بالرسول المندرج في جملة الرسل، وأما على رأي أبي البقاء الأخفش وابن السراج فتعود على "ما" مصدرية؛ لأنها اسم عندهما.
وحاق ألفه منقلبة عن ياء بدليل يحيق، كباع يبيع، والمصدر حيق وحيوق وحيقان، كالغليان والنزوان. وزعم بعضهم أنه من الحوق، وهو المستدير بالشيء، وبعضهم أنه من الحق، فأبدلت إحدى القافين ياء كتظننت، وهذان ليسا بشيء، أما الأول فلاختلاف المادة إلا أن يريدوا الاشتقاق الأكبر، وأما الثاني فلأنها دعوى مجردة من غير دليل. ومعنى حاق: أحاط، وقيل: عاد عليه وبال مكره، قاله وقيل: دار، والمعنى: يدور على الإحاطة والشمول، ولا تستعمل إلا في الشر. قال الشاعر: الفراء .
1871 - فأوطأ جرد الخيل عقر ديارهم وحاق بهم من بأس ضبة حائق
وقال "قيل: وأصله: حق، فقلب نحو: زل وزال، وقد قرئ: "فأزلهما، وأزلهما"، وعلى هذا ذمة وذامه". وقال الراغب: "جعل الأزهري: أبو إسحاق "حاق" بمعنى أحاط، وكأن مأخذه من الحوق، وهو ما استدار بالكمرة". قال: "وجائز أن يكون الحوق فعلا من حاق يحيق، كأنه في [ ص: 547 ] الأصل: حيق، فقلبت الياء واوا لانضمام ما قبلها". وهل يحتاج إلى تقدير مضاف قبل "ما كانوا" ؟ نقل الواحدي عن أكثر المفسرين ذلك؛ أي: عقوبة ما كانوا، أو جزاء ما كانوا، ثم قال: "وهذا إذا جعلت "ما" عبارة عن القرآن والشريعة، وما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وإن جعلت "ما" عبارة عن العذاب الذي كان صلى الله عليه وسلم يوعدهم به إن لم يؤمنوا، استغنيت عن تقدير المضاف، والمعنى: فحاق بهم العذاب الذي يستهزئون به وينكرونه.
والسخرية: الاستهزاء والتهكم، يقال: سخر منه وبه، ولا يقال إلا استهزاء به، فلا يتعدى بـ "من". وقال "سخرته: إذا سخرته للهزء منه، يقال: رجل سخرة بفتح الخاء: إذا كان يسخر من غيره، وسخرة بسكونها: إذا كان يسخر منه، ومثله: ضحكة وضحكة، ولا ينقاس. وقوله: الراغب: "فاتخذتموهم سخريا" يحتمل أن يكون من التسخير، وأن يكون من السخرية". وقد قرئ: "سخريا، وسخريا" بضم السين وكسرها. وسيأتي له مزيد بيان في موضعه إن شاء الله تعالى.