قوله: "فلا كاشف له": "له": خبر لا، وثم محذوف تقديره: فلا كاشف له عنك، وهذا المحذوف ليس متعلقا بـ "كاشف"؛ إذ كان يلزم تنوينه وإعرابه، بل يتعلق بمحذوف؛ أي: أعني: عنه.
و "إلا هو" فيه وجهان: أحدهما: أنه بدل من محل "لا كاشف"، فإن محله الرفع على الابتداء. والثاني: أنه بدل من الضمير المستكن في الخبر، ولا يجوز أن يرتفع باسم الفاعل وهو "كاشف"؛ لأنه يصير مطولا، ومتى كان مطولا أعرب نصبا، وكذلك لا يجوز أن يكون بدلا من الضمير المستكن في "كاشف" للعلة المتقدمة؛ إذ البدل يحل محل المبدل منه.
فإن قيل: المقابل للخير هو الشر، فكيف عدل عن لفظ الشر ؟ والجواب: أنه أراد تغليب الرحمة على ضدها، فأتى في جانب الشر بأخص منه وهو الضر، وفي جانب الرحمة بالعام الذي هو الخير تغليبا لهذا الجانب. قال [ ص: 565 ] : "ناب الضر هنا مناب الشر، وإن كان الشر أعم منه، فقابل الخير، وهذا من الفصاحة عدول عن [ قانون التكليف والصيغة، فإن باب التكليف وصيغ الكلام ] أن يكون الشيء مقترنا بالذي يختص به بنوع من أنواع الاختصاص، موافقة أو مضاهاة، فمن ذلك: ابن عطية إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ، فجاء بالجوع مع العري، وبابه أن يكون مع الظمإ، ومنه قول امرئ القيس:
1875 - كأني لم أركب جوادا للذة ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال
ولم أسبإ الزق الروي ولم أقل لخيلي كري كرة بعد إجفال
ولم يوضح ذلك. وإيضاحه في آية طه اشتراك الجوع والعري في شيء خاص وهو الخلو، فالجوع خلو وفراغ في الباطن، والعري خلو وفراغ في الظاهر، واشتراك الظمإ والضحى في الاحتراق، فالظمأ احتراق في الباطن، ولذلك تقول: "برد الماء حرارة كبدي وأوام عطشي"، والضحى: احتراق الظاهر. وأما البيتان فالجامع بين الركوب للذة وهو الصيد، وتبطن الكاعب اشتراكهما في لذة الاستعلاء والقهر، والاقتناص والظفر بمثل هذا المركوب، ألا ترى تسميتهم هن المرأة "ركبا" بفتح الراء والكاف، وهو فعل بمعنى مفعول، كقوله: ابن عطية
1876 - إن لها لركبا إرزبا كأنه جبهة ذرى حبا [ ص: 566 ]
وأما البيت الثاني فالجامع بين سبإ الخمر والرجوع بعد الهزيمة اشتراكهما في البذل، فشراء الخمر بذل المال، والرجوع بعد الانهزام بذل الروح. وقدم تبارك وتعالى مس الضر على مس الخير لمناسبة اتصال مس الضر بما قبله من الترهيب المدلول عليه بقوله: "إني أخاف". وجاء جواب الشرط الأول بالحصر إشارة إلى استقلاله بكشف الضر دون غيره، وجاء الثاني بقوله: فهو على كل شيء قدير ، إشارة إلى قدرته الباهرة، فيندرج فيها المس بخير وغيره، على أنه لو قيل: إن جواب الثاني محذوف لكان وجها؛ أي: وإن يمسسك فلا راد لفضله، للتصريح بمثله في موضع آخر.