قوله: "شهادة" نصب على التمييز، وهذا هو الذي لا يعرف النحاة غيره. وقال : "ويصح على المفعول بأن يحمل "أكثر" على التشبيه بالصفة المشبهة باسم الفاعل". وهذا ساقط جدا؛ إذ نص النحويون على أن معنى شبهها باسم الفاعل في كونها تؤنث وتثنى وتجمع، وأفعل من لا يؤنث، ولا يثنى، ولا يجمع، فلم يشبه اسم الفاعل، حتى إن الشيخ نسب هذا الخباط إلى الناسخ دون ابن عطية أبي محمد.
قوله: "بيني وبينكم" متعلق بـ "شهيد"، وكان الأصل: قل الله شهيد بيننا، فكررت "بين" توكيدا، وهو نظير قوله:
1877 - فأيي ما وأيك كان شرا فسيق إلى المقامة لا يراها
وقوله:
1878 - يا رب موسى أظلمي وأظلمه فاصبب عليه ملكا لا يرحمه
وقوله: [ ص: 568 ]
1879 - فلئن لقيتك خاليين لتعلمن أيي وأيك فارس الأحزاب
والجامع بينها أنه لما أضاف إلى الياء وحدها، احتاج إلى تكرير ذلك المضاف. وجوز أن يكون "بيني" متعلقا بمحذوف على أنه صفة لشهيد، فيكون في محل رفع، والظاهر خلافه. أبو البقاء
قوله: "وأوحي" الجمهور على بنائه للمفعول وحذف الفاعل للعلم به، وهو الله تعالى، و "القرآن" رفع به. وقرأ أبو نهيك، والجحدري، وعكرمة، وابن السميفع: "وأوحى" ببنائه للفاعل، و "القرآن" نصبا على المفعول به. و "لأنذركم" متعلق بـ "أوحي". قيل: وثم معطوف حذف لدلالة الكلام عليه؛ أي: لأنذركم به وأبشركم به، كقوله: "تقيكم الحر"، وتقدم منه جملة صالحة. وقيل: لا حاجة إليه؛ لأن المقام مقام تخويف.
قوله: "ومن بلغ" فيه ثلاثة أقوال، أحدها: أنه في محل نصب عطفا على المنصوب في "لأنذركم"، وتكون "من" موصولة والعائد عليها من صلتها محذوف؛ أي: ولأنذر الذي بلغه القرآن. والثاني: أن في "بلغ" ضميرا مرفوعا يعود على "من" ويكون المفعول محذوفا، وهو منصوب المحل أيضا نسقا على مفعول "لأنذركم"، والتقدير: ولأنذر الذي بلغ الحلم، فالعائد هنا مستتر في الفعل. والثالث: أن "من" مرفوعة المحل نسقا على الضمير المرفوع في "لأنذركم"، وجاز ذلك لأن الفصل بالمفعول والجار والمجرور أغنى عن تأكيده، والتقدير: لأنذركم به ولينذركم الذي بلغه القرآن.
قوله: "أإنكم" الجمهور على القراءة بهمزتين أولاهما للاستفهام، وهو استفهام تقريع وتوبيخ، وقد تقدم الكلام في قراءات مثل هذا. قال [ ص: 569 ] الشيخ: "وبتسهيل الثانية وبإدخال ألف بين الهمزة الأولى والهمزة المسهلة، روى هذا الأخيرة عن الأصمعي أبي عمرو انتهى. وهذا الكلام يؤذن بأنها قراءة مستغربة، وليس كذلك، بل المروي عن ونافع". المد بين الهمزتين، ولم يختلف عن قالون في ذلك. وقرئ بهمزة واحدة وهي محتملة للاستفهام، وإنما حذفت لفهم المعنى، ودلالة القراءة الشهيرة عليها، وتحتمل الخبر المحض. أبي عمرو
ثم هذه الجملة الاستفهامية يحتمل أن تكون منصوبة المحل لكونها في حيز القول وهو الظاهر، كأنه أمر أن يقول: أي شيء أكبر شهادة، وأن يقول: أإنكم لتشهدون. ويحتمل أن لا تكون داخلة في حيزه فلا محل لها حينئذ. و "أخرى" صفة لـ "آلهة"؛ لأن ما لا يعقل يعامل جمعه معاملة الواحدة المؤنثة، كقوله: "مارب أخرى"، و "الأسماء الحسنى".
قوله: إنما هو إله واحد : يجوز في "ما" هذه وجهان، أظهرهما: أنها كافة لـ "إن" عن عملها، و "هو" مبتدأ، و "إله" خبر، و "واحد" صفته. والثاني: أنها موصولة بمعنى الذي، و "هو" مبتدأ، و "إله" خبره، وهذه الجملة صلة وعائد، والموصول في محل نصب اسما لـ "إن"، و "واحد" خبرها. والتقدير: إن الذي هو إله واحد، ذكره ، وهو ضعيف، ويدل على صحة الوجه الأول تعينه في قوله تعالى: أبو البقاء "إنما الله إله واحد"؛ إذ لا يجوز فيه أن تكون موصولة لخلو الجملة من ضمير الموصول. وقال : - في هذا الوجه - "وهو أليق مما قبله"، ولا أدري ما وجه ذلك ؟ [ ص: 570 ] أبو البقاء