وأما قراءة الباقين فـ "فتنتهم" خبر مقدم، و "إلا أن قالوا" اسم مؤخر، وهذه القراءة - وإن كان فيها جعل الأعرف اسما - كالقراءة الأولى، إلا أن [ ص: 573 ] فيها لحاق علامة تأنيث في الفعل مع تذكير الفاعل، ولكنه بتأويل. فقيل: لأن قوله: "إلا أن قالوا" في قوة مقالتهم. وقيل: لأنه هو الفتنة في المعنى، وإذا أخبر عن الشيء بمؤنث اكتسب تأنيثا فعومل معاملته، وجعل منه: "فله عشر أمثالها"، لما كانت الأمثال هي الحسنات في المعنى عومل معاملة المؤنث، فسقطت التاء من عدده. ومثل الآية قوله: أبو علي
1880 - ألم يك غدرا ما فعلتم بسمعل وقد خاب من كانت سريرته الغدر
فـ "كانت" مسند إلى الغدر وهو مذكر، لكن لما أخبر عنه بمؤنث أنث فعله، ومثله قول لبيد:
1881 - فمضى وقدمها وكانت عادة إذا هي عردت إقدامها
قال "فأنث الإقدام لما كان العادة في المعنى". قال: "وقد جاء في الكلام: "ما جاءت حاجتك"، فأنث ضمير "ما" حيث كانت الحاجة في المعنى، ولذلك نصب "حاجتك". وقال أبو علي: : "وإنما أنث "أن قالوا" لوقوع الخبر مؤنثا، كقولهم: من كانت أمك". الزمخشري
وقال الشيخ: "وكلام الزمخشري ملفق من كلام أبي علي، وأما "من كانت أمك"، فإنه حمل اسم "كان" على معنى "من"، فإن لها لفظا مفردا مذكرا، ولها معنى بحسب ما تريد من إفراد وتثنية وجمع، وتذكير وتأنيث، وليس الحمل [ ص: 574 ] على المعنى لمراعاة الخبر، ألا ترى أنه يجيء حيث لا خبر، كقوله: ومنهم من يستمعون إليك ، [ وقوله ]:
1882 - ... ... ... ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
قلت: ليت شعري، ولأي معنى خص بهذا الاعتراض، فإنه وارد على الزمخشري أيضا ؟ إذ لقائل أن يقول: التأنيث في "جاءت" للحمل على معنى "ما"، فإن لها هي أيضا لفظا ومعنى مثل "من"، على أنه يقال: للتأنيث علتان، فذكرا إحداهما. أبي علي
ورجح قراءة الأخوين بقراءة أبو عبيد أبي "وما كان فتنتهم إلا أن قالوا"، فلم يلحق الفعل علامة تأنيث. ورجحها غيره بإجماعهم على نصب "حجتهم" من قوله تعالى: وابن مسعود: ما كان حجتهم إلا أن قالوا . وقرئ شاذا: "ثم لم يكن فتنتهم إلا أن قالوا"، بتذكير "يكن" ورفع "فتنتهم"، ووجه شذوذها سقوط علامة التأنيث، والفاعل مؤنث لفظا وإن كان غير حقيقي، وجعل غير الأعرف اسما والأعرف خبرا، فهي عكس القراءة الأولى من الطرفين، و "أن قالوا" مما يجب تأخيره لحصره، سواء أجعل اسما أم خبرا.
قوله: "ربنا" قرأ الأخوان: "ربنا" نصبا والباقون جرا. ونصبه: إما على النداء وإما على المدح، قاله وإما على إضمار "أعني"، قاله [ ص: 575 ] ابن عطية، ، والتقدير: يا ربنا. وعلى كل تقدير فالجملة معترضة بين القسم وجوابه وهو قوله: أبو البقاء "ما كنا مشركين". وخفضه في ثلاثة أوجه: النعت، والبدل، وعطف البيان. وقرأ عكرمة "والله ربنا" برفعهما على المبتدإ والخبر. قال وسلام بن مسكين: : "وهذا على تقديم وتأخير، كأنهم قالوا: والله ما كنا مشركين والله ربنا". قلت: يعني: أن ثم قسما مضمرا. ابن عطية