وفي قوله: "ينهون" و "وينأون" تجنيس التصريف، وهو عبارة عن انفراد كل كلمة عن الأخرى بحرف، فينهون انفردت بالهاء، وينأون بالهمزة، ومثله قوله تعالى: وهم يحسبون أنهم يحسنون ، بما كنتم تفرحون .. وبما كنتم تمرحون ، وقوله عليه السلام: " "، وبعضهم يسميه: "تجنيس التحريف"، وهو الفرق بين كلمتين بحرف، وأنشدوا: الخيل معقود في نواصيها الخير
1884 - إن لم أشن على ابن حرب غارة لم تخل يوما من نهاب نفوس
وذكر غيره أن تجنيس التحريف هو أن يكون الشكل فرقا بين كلمتين، وجعل منه: "اللهى تفتح اللهى"، وقد تقدم تحقيق ذلك. وقرأ "وينون" بإلقاء حركة الهمزة على النون وحذفها، وهو تخفيف قياسي. والنأي: البعد، قال: الحسن البصري:
1885 - إذا غير النأي المحبين لم يزل رسيس الهوى من حب مية يبرح
وقال آخر:
1886 - ألا حبذا هند وأرض بها هند وهند أتى من دونها النأي والبعد [ ص: 582 ]
عطف الشيء على نفسه للمغايرة اللفظية، يقال: نأى زيد ينأى نأيا، ويتعدى بالهمزة فيقال: أنأيته، ولا يعدى بالتضعيف، وكذا كل ما كان عينه همزة. ونقل الواحدي أنه يقال: نأيته بمعنى: نأيت عنه، أنشد المبرد:
1887 - أعاذل إن يصبح صداي بقفرة بعيدا نآني صاحبي وقريبي
أي: نأى عني. وحكى الليث: "نأيت الشيء"؛ أي: أبعدته، وأنشد:
1888 - إذا ما التقينا سال من عبراتنا شابيب ينآى سيلها بالأصابع
فبناه للمفعول؛ أي: ينحى ويبعد. والحاصل أن هذه المادة تدل على البعد، ومنه: أتنأى؛ أي: أفتعل النأي. والمنأى: الموضع البعيد، قال النابغة:
1889 - فإنك كالموت الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
وتناءى: تباعد، ومنه النؤي للحفيرة التي حول الخباء لتبعد عنه الماء. وقرئ: "وناء بجانبه" وهو مقلوب من نأى، ويدل على ذلك أن الأصل هو المصدر، وهو النأي بتقديم الهمزة على حرف العلة.
قوله: "وإن يهلكون": "إن" نافية كالتي في قوله: "إن هذا"، و "أنفسهم" مفعول، وهو استثناء مفرغ، ومفعول "يشعرون" محذوف: إما اقتصارا وإما اختصارا؛ أي: وما يشعرون أنهم يهلكون أنفسهم.