قوله: "ولتستبين سبيل" قرأ الأخوان "وليستبين" بالياء من تحت، و "سبيل" بالرفع. وأبو بكر: "ولتستبين" بالتاء من فوق، "سبيل" بالنصب. والباقون: بالتاء من فوق، "سبيل" بالرفع. وهذه القراءات دائرة على تذكير "السبيل" وتأنيثه، وتعدي "استبان" ولزومه. وإيضاح هذا أن لغة ونافع: نجد وتميم تذكير "السبيل"، وعليه قوله تعالى: وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ، ولغة الحجاز التأنيث، وعليه: "قل هذه سبيلي"، وقوله:
1935 - خل السبيل لمن يبني المنار بها ... ... ... ...
وأما "استبان" فيكون متعديا، نحو: "استبنت الشيء"، ويكون لازما نحو: "استبان الصبح" بمعنى: بان، فمن قرأ بالياء من تحت ورفع، فإنه أسند الفعل إلى "السبيل"، فرفعه على أنه مذكر وعلى أن الفعل لازم، ومن قرأ بالتاء من فوق فكذلك، ولكن على لغة التأنيث. ومن قرأ بالتاء من فوق ونصب "السبيل"، فإنه أسند الفعل إلى المخاطب، ونصب "السبيل" على المفعولية، وذلك على [ ص: 656 ] تعدية الفعل؛ أي: ولتستبين أنت سبيل المجرمين، فالتاء في "لتستبين" مختلفة المعنى، فإنها في إحدى القراءتين للخطاب وفي الأخرى للتأنيث، وهي في كلا الحالين للمضارعة، و "تستبين" منصوب بإضمار "أن" بعد لام كي، وفيما تتعلق به هذه اللام وجهان، أحدهما: أنها معطوفة على علة محذوفة، وتلك العلة معمولة لقوله: "نفصل"، والمعنى: وكذلك نفصل الآيات لتستبين لكم ولتستبين.
والثاني: أنها متعلقة بمحذوف مقدر بعدها؛ أي: ولتستبين سبيل المجرمين فصلناها ذلك التفصيل. وفي الكلام حذف معطوف على رأي؛ أي: وسبيل المؤمنين، كقوله تعالى: سرابيل تقيكم الحر . وقيل: لا يحتاج إلى ذلك؛ لأن المقام إنما يقتضي ذكر المجرمين فقط؛ إذ هم الذين أثاروا ما تقدم ذكره.