1940 - فألفيته يوما يبير عدوه ومجر عطاء يستخف المعابرا
والثاني: أنها جملة فعلية عطفت على جملة اسمية، وهي قوله: "وهو القاهر". والثالث: أنها معطوفة على الصلة وما عطف عليها، وهو قوله: يتوفاكم ويعلم، وما بعده؛ أي: وهو الذي يتوفاكم ويرسل. الرابع: أنه خبر مبتدأ محذوف، والجملة في محل نصب على الحال. وفي صاحبها وجهان، أظهرهما: أنه الضمير المستكن في "القاهر"، والثاني: أنها حال من الضمير المستكن في الظرف، كذا قال ، ونقله عن الشيخ، وقال: "وهذا الوجه أضعف الأعاريب"، وقولهما: "الضمير الذي في الظرف" ليس هنا ظرف يتوهم كون هذه الحال من ضمير فيه، إلا قوله: أبو البقاء "فوق عباده"، ولكن بأي طريق يتحمل هذا الظرف ضميرا ؟
والجواب: أنه قد تقدم في الآية المشبهة لهذه أن "فوق عباده" فيه خمسة أوجه، ثلاثة منها تتحمل فيها ضميرا، وهي: كونه خبرا ثانيا، أو بدلا من [ ص: 666 ] الخبر، أو حالا، وإنما اضطررنا إلى تقدير مبتدأ قبل "يرسل"؛ لأن المضارع المثبت إذا وقع حالا لم يقترن بالواو، وقد تقدم إيضاح هذا غير مرة. والخامس: أنها مستأنفة سيقت للإخبار بذلك، وهذا الوجه هو في المعنى كالثاني.
وقوله: "عليكم" يحتمل ثلاثة أوجه، أظهرها: أنه متعلق بـ يرسل، ومنه: "يرسل عليكما"، "فأرسلنا عليهم"، "وأرسل عليهم طيرا"، إلى غير ذلك. والثاني: أنه متعلق بـ "حفظة"، يقال: حفظت عليه عمله، فالتقدير: ويرسل حفظة عليكم. قال الشيخ: "أي: يحفظون عليكم أعمالهم، كما قال: "وإن عليكم لحافظين"، كما تقول: حفظت عليك ما تعمل". فقوله: "كما قال: إن عليكم لحافظين" تشبيه من حيث المعنى، لا أن "عليكم" تعلق بحافظين؛ لأن "عليكم" هو الخبر لـ "إن" فيتعلق بمحذوف. والثالث: أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من "حفظة"؛ إذ لو تأخر لجاز أن يكون صفة لها.
قال : "عليكم" فيه وجهان، أحدهما: هو متعلق بيرسل. والثاني: أن يكون في نية التأخير، وفيه وجهان، أحدهما: أن يتعلق بنفس "حفظة" والمفعول محذوف؛ أي: يرسل عليكم من يحفظ أعمالكم. والثاني: أن يكون صفة لـ "حفظة"، قدمت فصارت حالا" انتهى. قوله: "والمفعول محذوف"، يعني: مفعول "حفظة"، إلا أنه يوهم أن تقدير المفعول خاص بالوجه الذي ذكره، وليس كذلك بل لا بد من تقديره على كل وجه، و "حفظة" إنما [ ص: 667 ] عمل في ذلك المقدر لكونه صفة لمحذوف، تقديره: ويرسل عليكم ملائكة حفظة؛ لأنه لا يعمل إلا بشروط هذا منها، أعني: كونه معتمدا على موصوف. أبو البقاء
و "حفظة" جمع حافظ، وهو منقاس في كل وصف على فاعل صحيح اللام لعاقل مذكر كـ "بار" و "بررة"، و "فاجر" و "فجرة"، و "كامل" و "كملة"، ويقل في غير العاقل كقولهم: غراب ناعق، وغربان نعقة. وتقدم مثل قوله: "حتى إذا جاء"
قوله: "توفته" قرأ الجمهور: "توفته" ماضيا بتاء التأنيث لتأنيث الجمع. وقرأ "توفاه" من غير تاء تأنيث، وهي تحتمل وجهين، أظهرهما: أنه ماض، وإنما حذف تاء التأنيث لوجهين، أحدهما: كونه تأنيثا مجازيا، والثاني: الفصل بين الفعل وفاعله بالمفعول. والثاني: أنه مضارع، وأصله: تتوفاه بتاءين، فحذفت إحداهما على خلاف في أيتهما كـ "تنزل" وبابه. وحمزة على بابه في إمالة مثل هذه الألف. وقرأ حمزة: "يتوفاه" مضارعا بياء الغيبة، اعتبارا بكونه مؤنثا مجازيا أو للفصل، فهي كقراءة الأعمش: في الوجه الأول من حيث تذكير الفعل، وكقراءته في الوجه الثاني من حيث إنه أتى به مضارعا. وقال حمزة : "وقرئ شاذا: "تتوفاه" على الاستقبال، ولم يذكر بياء ولا تاء. أبو البقاء
قوله: "وهم لا يفرطون" هذه الجملة تحتمل وجهين، أظهرهما: أنها حال من "رسلنا". والثاني: أنها استئنافية سيقت للإخبار عنهم بهذه الصفة، والجمهور على التشديد في "يفرطون"، ومعناه: لا يقصرون. وقرأ عمرو بن [ ص: 668 ] عبيد "يفرطون" مخففا من أفرط، وفيها تأويلان، أحدهما: أنها بمعنى لا يجاوزون الحد فيما أمروا به. قال والأعرج: : "فالتفريط: التواني والتأخير عن الحد، والإفراط: مجاوزة الحد؛ أي: لا ينقصون مما أمروا به ولا يزيدون". والثاني: أن معناه: لا يتقدمون على أمر الله، وهذا يحتاج إلى نقل أن أفرط بمعنى فرط؛ أي: تقدم. وقال الزمخشري قريبا من هذا، فإنه قال: "معنى لا يفرطون: لا يدعون أحدا يفرط عنهم؛ أي: يسبقهم ويفوتهم". وقال الجاحظ : "ويقرأ بالتخفيف؛ أي: لا يزيدون على ما أمروا به"، وهو قريب مما تقدم. أبو البقاء