إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا .
قوله تعالى: إن أحسنتم ; أي: وقلنا لكم: إن أحسنتم فأطعتم الله " أحسنتم لأنفسكم " ; أي: عاقبة الطاعة لكم " وإن أسأتم " بالفساد والمعاصي " فلها " ، وفيه قولان:
أحدهما: أنه بمعنى: فإليها . والثاني: فعليها .
" فإذا جاء وعد الآخرة، جواب " فإذا " محذوف، تقديره: فإذا جاء [ ص: 11 ] وعد عقوبة المرة الآخرة من إفسادكم، بعثناهم ليسوؤوا وجوهكم، وهذا الفساد الثاني هو قتلهم يحيى بن زكريا، وقصدهم قتل " عيسى " فرفع، وسلط الله عليهم ملوك فارس والروم فقتلوهم وسبوهم، فذلك قوله: " ليسوءوا وجوهكم " . قرأ ابن كثير، ونافع، ، وأبو عمرو وحفص عن ( ليسوؤوا ) بالياء على الجميع والهمز بين الواوين، والإشارة إلى المبعوثين . وقرأ عاصم: ابن عامر، وحمزة، عن وأبو بكر ( ليسوء وجوهكم ) على التوحيد . قال عاصم: أبو علي: فيه وجهان: أحدهما: ليسوء الله عز وجل . والثاني: ليسوء البعث . وقرأ ( لنسوء ) بالنون، وذلك راجع إلى الله تعالى . الكسائي:
وفيمن بعث عليهم في المرة الثانية قولان:
أحدهما: بختنصر، قاله مجاهد وكثير من الرواة يأبى هذا القول، يقولون: كان بين تخريب ( وقتادة، بختنصر ) بيت المقدس وبين مولد يحيى بن زكريا زمان طويل .
والثاني: انطياخوس الرومي، قاله ومعنى " مقاتل . ليسوءوا وجوهكم " ; أي: ليدخلوا عليكم الحزن بما يفعلون من قتلكم وسبيكم، وخصت المساءة بالوجوه، والمراد: أصحاب الوجوه، لما يبدو عليها من أثر الحزن والكآبة .
قوله تعالى: " وليدخلوا المسجد " ، يعني: بيت المقدس، " كما دخلوه " في المرة الأولى، " وليتبروا " ; أي: ليدمروا ويخربوا . قال يقال لكل شيء ينكسر من الزجاج والحديد والذهب: تبر، ومعنى " الزجاج: ما علوا " ; أي: ليدمروا في حال علوهم عليكم .
قوله تعالى: " عسى ربكم أن يرحمكم " هذا مما وعدوا به في التوراة . و " عسى " من الله واجبة، فرحمهم [ الله ] بعد انتقامه منهم، وعمر بلادهم، وأعاد نعمهم [ ص: 12 ] بعد سبعين سنة . " وإن عدتم " إلى معصيتنا " عدنا " إلى عقوبتكم . قال المفسرون: ثم إنهم عادوا إلى المعصية، فبعث الله عليهم ملوكا من ملوك فارس والروم . قال ثم كان آخر ذلك أن بعث الله عليهم قتادة: محمدا صلى الله عليه وسلم، فهم في عذاب إلى يوم القيامة، فيعطون الجزية عن يد وهم صاغرون .
قوله تعالى: " وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا " فيه قولان:
أحدهما: سجنا، قاله ابن عباس، والضحاك، وقال وقتادة . يحصرون فيها . وقال مجاهد: أبو عبيدة محبسا . وقال وابن قتيبة: " حصيرا " : حبسا، أخذ من قولك: حصرت الرجل: إذا حبسته، فهو محصور، وهذا حصيره ; أي: محبسه، والحصير: المنسوج، سمي حصيرا ; لأنه حصرت طاقاته بعضها مع بعض، ويقال للجنب: حصير ; لأن بعض الأضلاع محصور مع بعض . وقال الزجاج: حصيرا: بمعنى: حاصرة، فصرف من حاصرة إلى حصير، كما صرف ( مؤلم ) إلى أليم . ابن الأنباري:
والثاني: فراشا ومهادا، قاله قال الحسن . ويجوز أن تكون جهنم لهم مهادا بمنزلة الحصير، والحصير: البساط الصغير . أبو عبيدة: