وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا .
قوله تعالى: " وآت ذا القربى حقه " فيه قولان:
أحدهما: أنه قرابة الرجل من قبل أبيه وأمه، قاله ابن عباس فعلى هذا في حقهم ثلاثة أقوال: أحدها: أن المراد به: برهم وصلتهم . والثاني: النفقة الواجبة لهم وقت الحاجة . والثالث: الوصية لهم عند الوفاة . والحسن،
والثاني: أنهم قرابة الرسول، قاله علي بن الحسين عليهما السلام، فعلى هذا يكون حقهم: إعطاؤهم من الخمس، ويكون الخطاب للولاة . والسدي،
قوله تعالى: " والمسكين وابن السبيل " قال يجوز أن يكون المراد: الصدقات الواجبة، يعني: الزكاة، ويجوز أن يكون الحق الذي يلزمه إعطاؤه عند الضرورة إليه . وقيل: حق المسكين من الصدقة، وابن السبيل من الضيافة . القاضي أبو يعلى:
قوله تعالى: " ولا تبذر تبذيرا " في التبذير قولان:
أحدهما: أنه إنفاق المال في غير حق، قاله ابن مسعود وابن [ ص: 28 ] عباس . وقال لو أنفق الرجل ماله كله في حق، ما كان مبذرا، ولو أنفق مدا في غير حق كان مبذرا . قال مجاهد: التبذير: النفقة في غير طاعة الله، وكانت الجاهلية تنحر الإبل وتبذر الأموال تطلب بذلك الفخر والسمعة، فأمر الله عز وجل بالنفقة في وجهها فيما يقرب منه . الزجاج:
والثاني: أنه الإسراف المتلف للمال، ذكره وقال الماوردي . المبذر: هو المسرف المفسد العائث . أبو عبيدة:
قوله تعالى: " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " لأنهم يوافقونهم فيما يدعونهم إليه، ويشاكلونهم في معصية الله . " وكان الشيطان لربه كفورا " ; أي: جاحدا لنعمه، وهذا يتضمن أن المسرف كفور للنعم .
قوله تعالى: " وإما تعرضن عنهم " في المشار إليهم أربعة أقوال:
أحدها: أنهم الذين تقدم ذكرهم من الأقارب والمساكين وأبناء السبيل، قاله الأكثرون، فعلى هذا في علة هذا الإعراض قولان: أحدهما: الإعسار، قاله الجمهور . والثاني: خوف إنفاقهم ذلك في معصية الله، قاله ابن زيد، وعلى هذا في الرحمة قولان: أحدهما: الرزق، قاله الأكثرون . والثاني: أنه الصلاح والتوبة، هذا على قول ابن زيد .
والثاني: أنهم المشركون، فالمعنى: وإما تعرضن عنهم لتكذيبهم، قاله فتحتمل إذا الرحمة وجهين: أحدهما: انتظار النصر عليهم . والثاني: الهداية لهم . سعيد بن جبير .
والثالث: أنهم ناس من مزينة جاؤوا يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " لا أجد ما أحملكم عليه " ، فبكوا، فنزلت هذه الآية، قاله [ ص: 29 ] عطاء الخراساني .
والرابع: أنها نزلت في خباب، وبلال، وعمار، ومهجع، ونحوهم من الفقراء، كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجد ما يعطيهم، فيعرض عنهم ويسكت، قاله فعلى هذا القول والذي قبله تكون الرحمة بمعنى: الرزق . مقاتل،
قوله تعالى: " فقل لهم قولا ميسورا " قال لينا هينا، وهو من اليسر . وللمفسرين فيه ثلاثة أقوال: أبو عبيدة:
أحدها: أنه العدة الحسنة، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد .
والثاني: أنه القول الجميل، مثل أن يقول: رزقنا الله وإياك، قاله ابن زيد، وهذا على ما تقدم من قوله .
والثالث: أنه المداراة لهم باللسان على قول من قال: هم المشركون، قاله وعلى هذا القول تحتمل الآية النسخ . أبو سليمان الدمشقي،