وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا .
قوله تعالى: " وكذلك بعثناهم " ; أي: وكما فعلنا بهم ما ذكرنا، بعثناهم من تلك النومة، " ليتساءلوا " ; أي: ليكون بينهم تساؤل وتنازع واختلاف في مدة لبثهم، فيفيد تساؤلهم اعتبار المعتبرين بحالهم . " قال قائل منهم كم لبثتم " ; أي: كم مر علينا منذ دخلنا هذا الكهف ؟ " قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم " وذلك أنهم دخلوا غدوة، وبعثهم الله في آخر النهار ; فلذلك قالوا: ( يوما )، فلما رأوا الشمس قالوا: ( أو بعض يوم ) . " قالوا ربكم أعلم بما لبثتم " قال القائل لهذا ابن عباس: يمليخا رئيسهم، رد علم ذلك إلى الله تعالى . وقال في رواية أخرى: إنما قاله مكسلمينا، وهو أكبرهم . قال وهذا يوجب أن تكون نفوسهم قد حدثتهم أنهم قد لبثوا أكثر مما ذكروا . وقيل: إنما قالوا ذلك ; لأنهم رأوا أظفارهم وأشعارهم قد طالت جدا . أبو سليمان:
قوله تعالى: " فابعثوا أحدكم " قال إنما قال: " أحدكم " ، [ ص: 121 ] ولم يقل: ( واحدكم ) ; لئلا يلتبس البعض بالممدوح المعظم، فإن ابن الأنباري: العرب تقول: رأيت أحد القوم، ولا يقولون: رأيت واحد القوم، إلا إذا أرادوا المعظم، فأراد بأحدهم: بعضهم، ولم يرد شريفهم .
قوله تعالى: " بورقكم " قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، والكسائي، وحفص عن ( بورقكم ) الراء مكسورة خفيفة . وقرأ عاصم: أبو عمرو، وحمزة، عن وأبو بكر ساكنة الراء . وعن عاصم ( بورقكم ) مدغمة يشمها شيئا من التثقيل . قال أبي عمرو: تصير كافا خالصة . قال الزجاج: الورق لغة أهل الفراء: الحجاز، وتميم يقولون: الورق، وبعض العرب يكسرون الواو فيقولون: الورق . قال الورق: الفضة، دراهم كانت أو غير دراهم، يدلك على ذلك حديث ابن قتيبة: عرفجة أنه اتخذ أنفا من ورق .
قوله تعالى: " إلى المدينة " يعنون: التي خرجوا منها، واسمها دقسوس، ويقال: هي اليوم طرسوس .
قوله تعالى: " فلينظر أيها " قال المعنى: أي أهلها . " الزجاج: أزكى طعاما " وللمفسرين في معناه ستة أقوال:
أحدها: أحل ذبيحة، قاله ابن عباس وذلك أن عامة أهل بلدهم كانوا كفارا، فكانوا يذبحون للطواغيت، وكان فيهم قوم يخفون إيمانهم . والثاني: أحل طعاما، قاله وعطاء، قال سعيد بن جبير . وكان أكثر أموالهم غصوبا . وقال الضحاك: قالوا لصاحبهم: لا تبتع طعاما فيه ظلم ولا غصب . والثالث: أكثر، قاله مجاهد: والرابع: خير ; أي: أجود، قاله عكرمة . [ ص: 122 ] قتادة .
والخامس: أطيب، قاله ابن السائب والسادس: أرخص، قاله ومقاتل . يمان بن رياب . قال وأصل الزكاة: النماء والزيادة . ابن قتيبة:
قوله تعالى: " فليأتكم برزق منه " ; أي: بما تأكلونه . " وليتلطف " ; أي: ليدقق النظر فيه وليحتل ; لئلا يطلع عليه . " ولا يشعرن بكم " ; أي: ولا يخبرن أحد بمكانكم . " إنهم إن يظهروا " ; أي: يطلعوا ويشرفوا عليكم، " يرجموكم " وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: يقتلوكم، قاله وقال ابن عباس . يقتلوكم بالرجم . والثاني: يرجموكم بأيديهم استنكارا لكم، قاله الزجاج: والثالث: بألسنتهم شتما لكم، قاله الحسن . مجاهد وابن جريج .
قوله تعالى: " أو يعيدوكم في ملتهم " ; أي: يردوكم في دينهم، " ولن تفلحوا إذا أبدا " ; أي: إن رجعتم في دينهم لم تسعدوا في الدنيا ولا في الآخرة .