[ ص: 401 ]
سورة الحج
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير .
فصل : في نزولها
روى عن أبو صالح أنها مكية كلها ، غير آيتين نزلتا ابن عباس بالمدينة : قوله تعالى: ومن الناس من يعبد الله على حرف ، والتي تليها [ الحج 12 ، 13 ] . وفي رواية أخرى عن أنها مدنية ، إلا أربع آيات نزلت ابن عباس بمكة ، وهي قوله تعالى: وما أرسلنا من قبلك من رسول . . . إلى آخر الأربع [ الحج : 53 - 57 ] . وقال : نزلت عطاء بن يسار بمكة إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة : [ ص: 402 ] هذان خصمان واللتان بعدها [ الحج : 20 - 22 ] . وقال : أولها مدني إلى قوله تعالى : أبو سليمان الدمشقي وبشر المحسنين [ الحج : 38 ] وسائرها مكي . وقال : هي مكية غير ست آيات نزلت الثعلبي بالمدينة ، وهي قوله تعالى: هذان خصمان إلى قوله تعالى : الحميد [ الحج 20 - 25 ] . وقال هبة الله بن سلامة : هي من أعاجيب سور القرآن ; لأن فيها مكيا ومدنيا ، وحضريا وسفريا ، وحربيا وسلميا ، وليليا ونهاريا ، وناسخا ومنسوخا .
فأما المكي : فمن رأس الثلاثين منها إلى آخرها .
وأما المدني : فمن رأس خمس وعشرين إلى رأس ثلاثين .
وأما الليلي : فمن أولها إلى آخر خمس آيات .
وأما النهاري : فمن رأس خمس [ آيات ] إلى رأس تسع .
وأما السفري : فمن رأس تسع إلى اثنتي عشرة .
وأما الحضري : فإلى رأس العشرين [ منها ] ، نسب إلى المدينة لقرب مدته .
قوله تعالى : " اتقوا ربكم " ; أي : احذروا عقابه ، " إن زلزلة الساعة " الزلزلة : الحركة على الحالة الهائلة .
وفي وقت هذه الزلزلة قولان :
أحدهما : أنها يوم القيامة بعد النشور . روى عمران بن حصين إن زلزلة الساعة شيء عظيم ، وقال : تدرون أي يوم ذلك ؟ فإنه يوم ينادي الرب عز وجل آدم عليه السلام : ابعث بعثا إلى النار " ، فذكر الحديث . وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ : " ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 403 ] " أبو سعيد الخدري لآدم : قم ، فابعث بعث النار ، فيقول : يا رب ; وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار ، فحينئذ يشيب المولود ، وتضع كل ذات حمل حملها " ، وقرأ الآية . وقال يقول الله تعالى يوم القيامة : زلزلة الساعة : قيامها ، يعني : أنها تقارب قيام الساعة وتكون معها . وقال ابن عباس الحسن : هذه الزلزلة تكون يوم القيامة . والسدي
والثاني : أنها تكون في الدنيا قبل القيامة ، وهي من أشراط الساعة ، قاله ، علقمة ، والشعبي . وروى وابن جريج عن أبو العالية ، قال : ست آيات قبل القيامة ، بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس ، فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم ، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض ، فتحركت واضطربت ، ففزع الجن إلى الإنس ، والإنس إلى الجن ، واختلطت الدواب والطير والوحش ، فماج بعضهم في بعض ، فقالت الجن للإنس : نحن نأتيكم بالخبر ، فانطلقوا إلى البحور ، فإذا هي نار تأجج ، فبينما هم كذلك ، إذ تصدعت الأرض إلى الأرض السابعة ، والسماء إلى السماء السابعة ، فبينما هم كذلك ، إذ جاءتهم [ ص: 404 ] الريح فماتوا . وقال أبي بن كعب : هذه الزلزلة قبل النفخة الأولى ، وذلك أن مناديا ينادي من السماء : يا أيها الناس أتى أمر الله ، فيفزعون فزعا شديدا ، فيشيب الصغير وتضع الحوامل . مقاتل
قوله تعالى : " شيء عظيم " ; أي : لا يوصف لعظمه .
قوله تعالى : " يوم ترونها " يعني : الزلزلة ، " تذهل كل مرضعة عما أرضعت " فيه قولان :
أحدهما : تسلو عن ولدها وتتركه ، قاله . ابن قتيبة
والثاني : تشغل عنه ، قاله قطرب ، ومنه قول : ابن رواحة
ويذهل الخليل عن خليله
وقرأ أبو عمران الجوني : ( تذهل ) برفع التاء وكسر الهاء ، ( كل ) بنصب اللام . قال وابن أبي عبلة : وإنما قال : " الأخفش مرضعة " ; لأنه أراد - والله أعلم - الفعل ، ولو أراد الصفة فيما نرى لقال : مرضع . قال : تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام ، وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام ، وهذا يدل على أن الزلزلة تكون في الدنيا ; لأن بعد البعث لا تكون حبلى . الحسن
قوله تعالى : " وترى الناس سكارى " وقرأ ، عكرمة ، والضحاك : ( وترى ) بضم التاء ، ومعنى " وابن يعمر سكارى " : من شدة الخوف . " وما هم بسكارى " من الشراب ، والمعنى : ترى الناس كأنهم سكارى من ذهول عقولهم ; لشدة ما يمر بهم ، يضطربون اضطراب السكران من الشراب . وقرأ ، حمزة ، وخلف : ( سكرى وما هم بسكرى ) وهي قراءة والكسائي . قال ابن مسعود : [ ص: 405 ] وهو وجه جيد ; لأنه بمنزلة الهلكى والجرحى . وقرأ الفراء ، عكرمة ، والضحاك وابن السميفع : ( سكارى وما هم بسكارى ) بفتح السين والراء وإثبات الألف . " ولكن عذاب الله شديد " فيه دليل على أن سكرهم من خوف عذابه .
قوله تعالى : " ومن الناس من يجادل في الله " قال المفسرون : نزلت في النضر بن الحارث ، وفيما جادل فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه كان كلما نزل شيء من القرآن كذب به ، قاله . ابن عباس
والثاني : أنه زعم أن الملائكة بنات الله ، قاله . مقاتل
والثالث : أنه قال : لا يقدر الله على إحياء الموتى ، ذكره . أبو سليمان الدمشقي
قوله تعالى : " بغير علم " ; أي : إنما يقوله بإغواء الشيطان لا بعلم . " ويتبع " ما يسول له ، " كل شيطان مريد " وقد ذكرنا معنى " المريد " في سورة ( النساء : 117 ) .
قوله تعالى : " كتب عليه أنه من تولاه " : " كتب " بمعنى : قضي ، والهاء في " عليه " وفي " تولاه " كناية عن الشيطان ، ومعنى الآية : قضي على الشيطان أنه يضل من اتبعه . وقرأ : ( كتب ) بفتح الكاف ، ( أنه ) بفتح الهمزة ، [ ( فإنه ) بكسر الهمزة ] . وقرأ أبو عمران الجوني أبو مجلز ، ، وأبو العالية ، وابن أبي ليلى ، والضحاك : ( إنه ) ، ( فإنه ) بكسر الهمزة فيهما . وقد بينا معنى " وابن يعمر السعير " في سورة ( النساء : 10 ) .