حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون .
قوله تعالى : " لعلي أعمل صالحا فيما تركت " قال : فيما مضى من عمري . وقال ابن عباس : فيما تركت من العمل الصالح . مقاتل
قوله تعالى : " كلا " ; أي : لا يرجع إلى الدنيا ، " إنها " يعني : مسألته الرجعة ، " كلمة هو قائلها " ; أي : هو كلام لا فائدة له فيه . " ومن ورائهم " ; أي : أمامهم وبين أيديهم ، " برزخ " قال : البرزخ : ما بين الدنيا والآخرة ، وكل شيء بين شيئين فهو برزخ . وقال ابن قتيبة : البرزخ في اللغة : الحاجز ، وهو هاهنا ما بين موت الميت وبعثه . الزجاج
قوله تعالى : " فإذا نفخ في الصور " في هذه النفخة قولان :
أحدهما : أنها النفخة الأولى ، رواه عن سعيد بن جبير . ابن عباس
والثاني : أنها الثانية ، رواه عن عطاء . ابن عباس
قوله تعالى : " فلا أنساب بينهم " في الكلام محذوف ، تقديره : لا أنساب بينهم يومئذ يتفاخرون بها أو يتقاطعون بها ; لأن الأنساب لا تنقطع يومئذ ، إنما يرفع التواصل والتفاخر بها .
وفي قوله : " ولا يتساءلون " ثلاثة أقوال : [ ص: 491 ]
أحدها : لا يتساءلون بالأنساب أن يترك بعضهم لبعض حقه .
والثاني : لا يسأل بعضهم بعضا عن شأنه لاشتغال كل واحد بنفسه .
والثالث : لا يسأل بعضهم بعضا من أي قبيل أنت ، كما تفعل العرب لتعرف النسب فتعرف قدر الرجل . وما بعد هذا قد سبق تفسيره [ الأعراف : 8 ] إلى قوله : " تلفح وجوههم النار " قال : تلفح وتنفح بمعنى واحد ، إلا أن اللفح أعظم تأثيرا . والكالح : الذي قد تشمرت شفته عن أسنانه ، نحو ما ترى [ من ] رءوس الغنم إذا برزت الأسنان وتشمرت الشفاه . وقال الزجاج : قد بدت أسنانهم وتقلصت شفاههم كالرأس المشيط بالنار . وروى ابن مسعود في " صحيحه " من حديث أبو عبد الله الحاكم أبي سعيد الخدري " . عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية : " تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه ، وتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرته