فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون قوله تعالى: فلا أقسم في "لا" قولان .
أحدهما: أنها دخلت توكيدا . والمعنى: فأقسم، ومثله لئلا يعلم أهل الكتاب [الحشر: 29] قال وهو مذهب الزجاج: سعيد بن جبير .
والثاني: أنها على أصلها . ثم في معناها قولان .
أحدهما: أنها ترجع إلى ما تقدم، ومعناها: النهي، تقدير الكلام: فلا تكذبوا، ولا تجحدوا ما ذكرته من النعم والحجج، قاله الماوردي .
[ ص: 151 ] والثاني: أن "لا" رد لما يقوله الكفار في القرآن: إنه سحر، وشعر، وكهانة . ثم استأنف القسم على أنه قرآن كريم، قاله وقرأ علي بن أحمد النيسابوري: " فلأقسم" بغير ألف بين اللام والهمزة . الحسن:
قوله تعالى: بمواقع وقرأ حمزة، "بموقع" على التوحيد . قال والكسائي: أبو علي: مواقعها مساقطها . ومن أفرد، فلأنه اسم جنس . ومن جمع، فلاختلاف ذلك . وفي "النجوم" قولان .
أحدهما: نجوم السماء، قاله الأكثرون . فعلى هذا في مواقعها ثلاثة أقوال .
أحدها: انكدارها وانتثارها يوم القيامة، قاله الحسن .
والثاني: منازلها، قاله عطاء، وقتادة .
والثالث: مغيبها في المغرب، قاله أبو عبيدة .
والثاني: أنها نجوم القرآن، رواه عن ابن جبير فعلى هذا سميت نجوما لنزولها متفرقة، ومواقعها: نزولها "وإنه لقسم" الهاء كناية عن القسم . ابن عباس .
وفي الكلام تقديم وتأخير، تقديره: وإنه لقسم عظيم لو تعلمون عظمه . ثم ذكر المقسم عليه فقال تعالى: إنه لقرآن كريم والكريم: اسم جامع لما يحمد، وذلك أن فيه البيان، والهدى، والحكمة، وهو معظم عند الله عز وجل .
قوله تعالى: في كتاب فيه قولان .
أحدهما: أنه اللوح المحفوظ، قاله والثاني: أنه المصحف الذي بأيدينا، قاله ابن عباس . مجاهد، وقتادة .
وفي "المكنون" قولان .
أحدهما: مستور عن الخلق، قاله وهذا على القول الأول . مقاتل،
والثاني: مصون، قاله [ ص: 152 ] قوله تعالى: الزجاج . لا يمسه إلا المطهرون من قال: إنه اللوح المحفوظ . فالمطهرون عنده: الملائكة، وهذا قول ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، فعلى هذا يكون الكلام خبرا . ومن قال: هو المصحف، ففي المطهرين أربعة أقوال . وسعيد بن جبير .
أحدها: أنهم المطهرون من الأحداث، قاله الجمهور . فيكون ظاهر الكلام النفي، ومعناه النهي .
والثاني: المطهرون من الشرك، قاله ابن السائب .
والثالث: المطهرون من الذنوب والخطايا، قاله الربيع بن أنس .
والرابع: أن معنى الكلام: لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به، حكاه الفراء .
[ ص: 153 ] قوله تعالى: تنزيل أي: هو تنزيل . والمعنى: هو منزل، فسمي المنزل تنزيلا في اتساع اللغة، كما تقول للمقدور: قدر، وللمخلوق: خلق .
قوله تعالى: أفبهذا الحديث يعني: القرآن أنتم مدهنون فيه قولان .
أحدهما: مكذبون، قاله ابن عباس، والضحاك، والفراء .
والثاني: ممالئون الكفار على الكفر به، قاله قال مجاهد . المدهن: المداهن، وكذلك قال أبو عبيدة: "مدهنون" أي: مداهنون . يقال: أدهن في دينه، وداهن ابن قتيبة "وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون" روى في "صحيحه" من حديث مسلم قال: ابن عباس فلا أقسم بمواقع النجوم حتى بلغ أنكم تكذبون . وروى مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أصبح من الناس شاكر، ومنهم كافر" . قالوا: هذه رحمة وضعها الله حيث شاء . وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا، وكذا، فنزلت هذه الآية البخاري في "الصحيحين" من حديث ومسلم زيد بن خالد الجهني، قال: بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل . فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم"؟ قالوا: الله ورسوله أعلم . "قال: قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر . فأما المؤمن فقال: مطرنا بفضل الله وبرحمته فذلك مؤمن بي، كافر بالكواكب . وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب" . صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة
[ ص: 154 ] وللمفسرين في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال .
أحدها: أن الرزق ها هنا بمعنى الشكر . روت عائشة "وتجعلون رزقكم" قال: "شكركم"، وهذا قول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: علي بن أبي طالب، وكان وابن عباس . علي يقرأ "وتجعلون شكركم" .
والثاني: أن المعنى: وتجعلون شكر رزقكم تكذيبكم، قاله الأكثرون . وذلك أنهم كانوا يمطرون، فيقولون: مطرنا بنوء كذا .
والثالث: أن الرزق بمعنى الحظ . فالمعنى: وتجعلون حظكم ونصيبكم من القرآن أنكم تكذبون، ذكره وقرأ الثعلبي . ، أبي بن كعب والمفضل عن "تكذبون" بفتح التاء، وإسكان الكاف، مخففة الذال . عاصم