القسم الآخر من الدعاوى وهي دعوى الجناية والأفعال المحرمة مثل دعوى القتل . وقطع الطريق والسرقة والعدوان على الخلق بالضرب وغيره . " دعاوى التهم "
فهذا ينقسم المدعى عليه إلى " ثلاثة أقسام " فإن المتهم إما أن يكون ليس من أهل تلك التهمة أو فاجرا من أهل تلك التهمة أو يكون مجهول الحال لا يعرف الحاكم حاله فإن كان برا لم تجز عقوبته بالاتفاق .
واختلفوا في عقوبة المتهم له مثل أن يوجد في يد رجل عدل مال مسروق ; ويقول ذو اليد ابتعته من السوق لا أدري [ ص: 397 ] من باعه فلا عقوبة عليه بالاتفاق .
ثم قال أصحاب مالك وغيرهم : يحلف المستحق أنه ملكه ما خرج عن ملكه ويأخذه قال هؤلاء : لا يمين على المطلوب ثم اختلفوا في له ؟ فقال العقوبة للمتهم مالك وأشهب : لا أدب على المدعي إلا أن يقصد أذيته وعيبه وشتمه فيؤدب .
وقال أصبغ : يؤدب قصد أذيته أو لم يقصد وكذلك عامة العلماء يقولون إن الحدود التي لله لا يحلف فيها المدعى عليه فإذا أخذ المستحق ماله لم يبق على ذوي اليد دعوى إلا لأجل الحد ولا يحلف .
" القسم الثاني " أن يكون المتهم مجهول الحال لا يعرف ببر أو فجور فهذا يحبس حتى ينكشف حاله عند عامة علماء الإسلام .
والمنصوص عند أكثر الأئمة أنه يحبسه القاضي والوالي ; هكذا نص عليه مالك وأصحابه ; وهو منصوص الإمام أحمد ومحققي أصحابه وذكره أصحاب أبي حنيفة وقال الإمام أحمد . قد حبس النبي صلى الله عليه وسلم في تهمة قال أحمد : وذلك حتى يتبين للحاكم أمره وذلك لما رواه أبو داود في سننه والخلال وغيرهما عن بهز بن حكيم ; عن أبيه عن جده : { } وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة الخلال عن { أبي هريرة } والأصول المتفق عليها بين الأئمة توافق ذلك . فإنهم متفقون على أن المدعي إذا طلب المدعى عليه الذي يجب إحضاره وجب على الحاكم إحضاره إلى مجلس [ ص: 398 ] الحكم حتى يفصل بينهما ويحضره من مسافة الدعوى التي هي عند بعضهم بريد ; وهو ما لا يمكن الذهاب إليه والعود في يوم ; كما يقوله من قاله من أصحاب أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة يوما وليلة الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وعند بعضهم أن مسافة القصر أربعة برد مسيرة يومين قاصدين كما يقوله أحمد في إحدى الروايتين ; ثم الحاكم قد يكون مشغولا عن تعجيل الفصل وقد يكون عنده حكومات سابقة فيبقى المطلوب محبوسا معوقا من حين يطلب إلى حين يفصل بينه وبين خصمه وهذا حبس بدون التهمة ففي التهمة أولى . فإن " " ليس هو السجن في مكان ضيق وإنما هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه سواء كان في بيت أو مسجد أو كان بتوكيل نفس الخصم أو وكيل الخصم عليه ; ولهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم أسيرا كما روى الحبس الشرعي أبو داود وابن ماجه عن { الهرماس بن حبيب عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بغريم لي فقال لي : الزمه ثم قال : يا أخا بني تميم ما تريد أن تفعل بأسيرك } وفي رواية ابن ماجه { بني تميم ؟ } ثم مر بي آخر النهار فقال : ما فعل أسيرك يا أخا
وهذا هو الحبس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حبسا معدا لسجن الناس ولكن لما انتشرت الرعية في زمن ابتاع عمر بن الخطاب بمكة دارا وجعلها سجنا وحبس فيها .