وظاهر هذه النصوص يدل على أن كما يقطع بقبول إسلام الكافر إذا أسلم إسلاما صحيحا، وهذا قول الجمهور، وكلام من تاب إلى الله توبة نصوحا . واجتمعت شروط التوبة في حقه، فإنه يقطع بقبول الله توبته، يدل على أنه إجماع . ابن عبد البر
ومن الناس من قال: لا يقطع بقبول التوبة، بل يرجى، وصاحبها تحت المشيئة، وإن تاب، واستدلوا بقوله: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فجعل الذنوب كلها تحت مشيئته، وربما استدل بمثل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم وبقوله: فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من [ ص: 566 ] المفلحين وقوله: وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون وقوله: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم والظاهر: أن هذا في حق التائب، لأن الاعتراف يقتضي الندم، وفي حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: عائشة والصحيح قول الأكثرين . "إن العبد إذا اعترف بذنبه، ثم تاب، تاب الله عليه "
وهذه الآيات لا تدل على عدم القطع، فإن الكريم إذا أطمع، لم يقطع من رجائه المطمع، ومن هنا قال : إن "عسى" من الله واجبة، نقله عنه ابن عباس علي بن أبي طلحة . وقد ورد جزاء الإيمان والعمل الصالح بلفظ: "عسى" أيضا، ولم يدل ذلك على أنه غير مقطوع به، كما في قوله: إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين وأما قوله: ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فإن التائب ممن شاء أن يغفر له، كما أخبر بذلك في مواضع كثيرة من كتابه . وقد يراد بالحسنة في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما هو أعم من التوبة، كما في قوله تعالى: "أتبع السيئة الحسنة" وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات [ ص: 567 ] وقد روي من حديث أن الرجل الذي نزلت بسببه هذه الآية أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتوضأ ويصلي . معاذ
وخرج ، الإمام أحمد وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي من حديث وابن ماجه - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي بكر الصديق والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم "ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له " ثم قرأ هذه الآية:
وفي "الصحيحين " أنه توضأ، ثم قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال: "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه " . عثمان عن
وفي "مسند " عن الإمام أحمد قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: أبي الدرداء "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قام فصلى ركعتين أو أربعا، يحسن فيهما الركوع والخشوع، ثم استغفر الله عز وجل غفر له " .
وفي "الصحيحين " عن قال: أنس كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاءه رجل، فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا، فأقمه علي، قال: ولم يسأله عنه، فحضرت الصلاة فصلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدا، فأقم علي كتاب الله . قال: "أليس قد صليت معنا؟ " قال نعم، قال: "فإن الله قد غفر لك ذنبك - أو [ ص: 568 ] قال -: حدك " .
وخرجه بمعناه من حديث مسلم . أبي أمامة
وخرجه من وجه آخر عن ابن جرير الطبري ، وفي حديثه قال: أبي أمامة "فإنك من خطيئتك كما ولدتك أمك، فلا تعد" . وأنزل الله: وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل
وفي "الصحيحين " عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي هريرة "أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء " قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: "فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا" .
وفي "صحيح " عن مسلم ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: عثمان "من توضأ فأحسن الوضوء، خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره " .
وفيه عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي هريرة "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط " .
وفي "الصحيحين " عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي هريرة [ ص: 569 ] وفيهما عن "من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه " . عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حج هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " . أبي هريرة
وفي "صحيح " عن مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: عمرو بن العاص "إن الإسلام يهدم ما كان قبله، وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وإن الحج يهدم ما كان قبله " .
وفيه من حديث أبي قتادة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في صوم عاشوراء: "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله " . وقال في صوم يوم عرفة: "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده " .
وخرج من حديث الإمام أحمد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: عقبة بن عامر "مثل الذي يعمل السيئات، ثم يعمل الحسنات، كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته، ثم عمل حسنة فانفكت حلقة ثم عمل حسنة أخرى، فانفكت أخرى حتى يخرج إلى الأرض " .
ذكر الله عز وجل، وقد ذكرنا فيما تقدم ومما يكفر الخطايا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن قول: "لا إله إلا الله " أمن الحسنات هي؟ قال: "هي أحسن الحسنات " .
وفي "الصحيحين " عن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي هريرة [ ص: 570 ] وفيهما عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال . سبحان الله وبحمده في يومه مائة مرة، حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" . "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أفضل من ذلك " .
وفي "المسند" وكتاب عن ابن ماجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال . أم هانئ "لا إله إلا الله لا تترك ذنبا ولا يسبقها عمل " .
وخرج عن الترمذي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنس إنه مر بشجرة يابسة الورق، فضربها بعصاه، فتناثر الورق، فقال: "إن الحمد لله وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لتساقط من ذنوب العبد كما يتساقط ورق هذه الشجرة" .
وخرجه بإسناد صحيح عن الإمام أحمد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أنس "إن سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، تنفض الخطايا كما تنفض الشجرة ورقها " .
والأحاديث في هذا كثيرة جدا يطول الكتاب بذكرها .
وسئل عن رجل لا يتحاشى من معصية إلا أن لسانه لا يفتر من ذكر الله، فقال: إن ذلك لعون حسن . الحسن
وسئل عن رجل اكتسب مالا من شبهة: صلاته وتسبيحه [ ص: 571 ] يحط عنه شيئا من ذلك؟ فقال: إن صلى وسبح يريد به ذلك، فأرجو، قال الله تعالى: الإمام أحمد خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم
وقال : البكاء على الخطيئة يحط الخطايا كما تحط الريح الورق اليابس . مالك بن دينار
وقال : من جلس مجلسا من مجالس الذكر كفر به عشرة مجالس من مجالس الباطل . عطاء
وقال شويس العدوي - وكان من قدماء التابعين -: إن صاحب اليمين أمير - أو قال: أمين - على صاحب الشمال، فإذا عمل ابن آدم سيئة، فأراد صاحب الشمال أن يكتبها، قال له صاحب اليمين: لا تعجل لعله يعمل حسنة، فإن عمل حسنة، ألقى واحدة بواحدة، وكتب له تسع حسنات، فيقول الشيطان: يا ويله، من يدرك تضعيف ابن آدم .
وخرج - بإسناد فيه نظر - عن الطبراني أبي مالك الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: آدم، قال الملك للشيطان: أعطني صحيفتك، فيعطيه إياها، فما وجد في صحيفته من حسنة، محى بها عشر سيئات من صحيفة الشيطان، وكتبهن حسنات . فإذا أراد أن ينام أحدكم، فليكبر ثلاثا وثلاثين تكبيرة، ويحمد الله أربعا وثلاثين تحميدة، ويسبح الله ثلاثا وثلاثين تسبيحة، فتلك مائة" . وهذا غريب ومنكر . "إذا نام ابن
وروى : حدثنا وكيع ، عن الأعمش أبي إسحاق ، عن . قال: قال أبي الأحوص عبد الله ، يعني ابن مسعود : وددت أني صولحت على أن أعمل كل [ ص: 572 ] يوم تسع خطيئات وحسنة .
وهذا إشارة منه إلى أن الحسنة يمحى بها التسع خطيئات، ويفضل له ضعف واحد من ثواب الحسنة، فيكتفي به، والله أعلم .