وقال تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم قال قال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، إنا نحب ربنا حبا شديدا، فأحب الله أن يجعل لحبه علما، فأنزل الله هذه الآية . الحسن:
وفي "الصحيحين " عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار" .
فمن أحب الله ورسوله محبة صادقة من قلبه، أوجب له ذلك أن يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله، ويكره ما يكرهه الله ورسوله، ويرضى بما يرضى الله ورسوله، ويسخط ما يسخطه الله ورسوله، وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض، فإن عمل بجوارحه شيئا يخالف ذلك بأن ارتكب بعض ما يكرهه الله ورسوله، أو ترك بعض ما يحبه الله ورسوله مع وجوبه والقدرة عليه، دل ذلك على نقص محبته الواجبة، فعليه أن يتوب من ذلك ويرجع إلى تكميل المحبة الواجبة .
قال كل من ادعى محبة الله عز وجل ولم يوافق الله في أمره، فدعواه باطلة، وكل محب ليس يخاف الله، فهو مغرور . [ ص: 202 ] وقال أبو يعقوب النهرجوري: : ليس بصادق من ادعى يحيى بن معاذ ولم يحفظ حدوده . محبة الله عز وجل
وسئل رويم عن المحبة، فقال: الموافقة في جميع الأحوال، وأنشد:
ولو قلت لي مت مت سمعا وطاعة . وقلت لداعي الموت أهلا ومرحبا
ولبعض المتقدمين:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه . هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقا لأطعته . إن المحب لمن يحب مطيع
فجميع المعاصي تنشأ من تقديم هوى النفوس على محبة الله ورسوله . وقد في مواضع من كتابه، وقال تعالى: وصف الله المشركين باتباع الهوى فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله
وكذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع، ولهذا يسمى أهلها أهل الأهواء .
وكذلك المعاصي إنما تقع من تقديم الهوى على محبة الله، ومحبة ما يحبه .
وكذلك حب الأشخاص: الواجب فيه أن يكون تبعا لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - . فيجب على المؤمن محبة الله ومحبة من يحبه الله من الملائكة والرسل والأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين عموما، ولهذا كان من علامات وجود حلاوة الإيمان أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، ويحرم موالاة أعداء الله ومن يكرهه الله عموما، وقد سبق ذلك في موضع آخر، وبهذا يكون الدين [ ص: 203 ] كله لله . و "من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان " . ومن كان حبه وبغضه وعطاؤه ومنعه لهوى نفسه، كان ذلك نقصا في إيمانه الواجب، فيجب عليه التوبة من ذلك والرجوع إلى اتباع ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من تقديم محبة الله ورسوله، وما فيه رضا الله ورسوله على هوى النفوس ومراداتها كلها .
قال : بلغنا - والله أعلم - أن وهيب بن الورد موسى - عليه السلام - قال: يا رب أوصني؟ قال: أوصيك بي، قالها ثلاثا، حتى قال في الآخرة: أوصيك بي أن لا يعرض لك أمر إلا آثرت فيه محبتي على ما سواها، فمن لم يفعل ذلك لم أزكه ولم أرحمه .
والمعروف في استعمال الهوى عند الإطلاق أنه الميل إلى خلاف الحق، كما في قوله عز وجل: ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله وقال: وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى (41) . وقد يطلق الهوى بمعنى المحبة والميل مطلقا، فيدخل فيه الميل إلى الحق وغيره، وربما استعمل بمعنى محبة الحق خاصة والانقياد إليه .
صفوان بن عسال: هل سمعت من النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر الهوى؟ فقال: سأله أعرابي عن الرجل يحب القوم ولم يلحق بهم، فقال: "المرء مع من أحب " . [ ص: 204 ] وسئل ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك . عائشة وقال ولما نزل قوله عز وجل: في قصة المشاورة في أسارى عمر بدر: فهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال ، ولم يهو ما قلت، وهذا الحديث مما جاء استعمال الهوى فيه بمعنى المحبة المحمودة . وقد وقع مثل ذلك في الآثار الإسرائيلية كثيرا، وكلام مشايخ القوم وإشاراتهم نظما ونثرا يكثر فيها هذا الاستعمال . أبو بكر
ومما يناسب معنى الحديث من ذلك قول بعضهم
:
إن هواك الذي بقلبي . صيرني سامعا مطيعا
أخذت قلبي وغمض عيني . سلبتني النوم والهجوعا
فذر فؤادي وخذ رقادي . فقال: لا بل هما جميعا