[ ص: 466 ]
سورة الأنعام
قوله تعالى: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين
[قال ] : "باب لا يدري متى يجيء المطر إلا الله ": البخاري
وقال ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أبو هريرة "خمس لا يعلمهن إلا الله " .
حديث هذا، قد خرجه في كتاب الإيمان في حديث سؤال أبي هريرة جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام والإيمان والإحسان، وأنه تلا عند ذلك هذه الآية: إن الله عنده علم الساعة وينـزل الغيث وقد تقدم ذكره والكلام عليه .
حدثنا محمد بن يوسف: نا ، عن سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ابن عمر "مفتاح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، لا يعلم أحد ما يكون في غد إلا الله، ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام إلا الله، ولا تعلم نفس ما تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت، وما يدري أحد متى يجيء المطر" .
قد سبق في الباب المشار إليه: الإشارة إلى اختصاص الله بعلم هذه [ ص: 467 ] الخمس، التي هي مفاتح الغيب، التي قال فيها: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو وهذه الخمس المذكورة في حديث ، ليس فيها علم الساعة، بل فيها ذكر متى يجيء المطر بدل الساعة . ابن عمر
وهذا مما يدل على أن بل هو أكثر من ذلك، مثل علمه بعدد خلقه، كما قال: علم الله الذي استأثر به دون خلقه لم ينحصر في خمس، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس ومثل استئثاره بعلمه بذاته وصفاته وأسمائه، كما قال: ولا يحيطون به علما وفي حديث - في ذكر أسمائه -: ابن مسعود وإنما ذكرت هذه الخمس لحاجة الناس إلى معرفة اختصاص الله بعلمها . والعلم بمجموعها مما اختص الله بعلمه، وكذلك العلم القاطع بكل فرد فرد من أفرادها . وأما الاطلاع على شيء يسير من أفرادها بطريق غير قاطع، بل يحتمل الخطأ والإصابة هو غير منفي، لأنه لا يدخل في العلم الذي اختص الله به . ونفاه عن غيره . وتقدم - أيضا - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوتي علم كل شيء، إلا هذه الخمس . فأما إطلاع الله سبحانه له على شيء من أفرادها، فإنه غير منفي - أيضا - [ ص: 468 ] وهو داخل في قوله تعالى: "أو استأثرت به في علم الغيب عندك " . عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول الآية . ولكن علم الساعة مما اختص الله به، ولم يطلع عليه غيره، كما تقدم في حديث سؤال جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - . وكذلك جملة العلم بما في غد .
وقد قالت جارية بحضرته - صلى الله عليه وسلم -: وفينا نبي يعلم بما في غد، فنهاها النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قول ذلك .
وقد خرجه في "النكاح " . البخاري
وأما العلم بما في الأرحام، فينفرد الله تعالى بعلمه، قبل أن يأمر ملك الأرحام بتخليقه وكتابته، ثم بعد ذلك قد يطلع الله عليه من يشاء من خلقه، كما أطلع عليه ملك الأرحام . فإن كان من الرسل فإنه يطلع عليه علما يقينا، وإن كان من غيرهم من الصديقين والصالحين، فقد يطلعه الله تعالى عليه ظاهرا . كما روى ، عن الزهري ، عن عروة ، أن عائشة لما حضرته الوفاة قال لها - في كلام ذكره -: إنما هو أخواك وأختاك . قالت: فقلت هذا أخواي، فمن أختاي؟ قال: أبا بكر ذو بطن ابنة خارجة ، فإني أظنها جارية .
ورواه هشام ، عن أبيه، عن ، أنها قالت له عند ذلك: إنما هي عائشة ؟ فقال: أسماء وذات بطن بنت خارجة ، أظنها جارية .
ورواه هشام ، عن أبيه: قد ألقي في روعي أنها جارية، فاستوصي بها خيرا، فولدت أم كلثوم . [ ص: 469 ] وأما علم النفس بما تكسبه غدا، وبأي أرض تموت، ومتى يجيء المطر . فهذا على عمومه لا يعلمه إلا الله . وأما الاطلاع على بعض أفراده، فإن كان بإطلاع من الله لبعض رسله . كان مخصوصا من هذا العموم، كما أطلع النبي - صلى الله عليه وسلم - على كثير من الغيوب المستقبلة، وكان يخبر بها . فبعضها يتعلق بكسبه، مثل إخباره أنه يقتل أمية بن خلف، وأخبر بذلك سعد بن معاذ أمية بمكة، وقال أمية: والله، ما يكذب محمد . وأكثره لا يتعلق بكسبه، مثل إخباره عن الصور المستقبلة في أمته وغيرهم . وهو كثير جدا .
وقد أخبر بتبوك، أنه وكان كذلك . "تهب الليلة ريح شديدة، فلا يقومن أحد"،
والاطلاع على هبوب بعض الرياح نظير الاطلاع على نزول بعض الأمطار في وقت معين . وكذلك إخباره - صلى الله عليه وسلم - ابنته فاطمة في مرضه، أنه مقبوض من مرضه . وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة" .
خرجه من حديث الإمام أحمد ، أبي سعيد الخدري من حديث والنسائي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . [ ص: 470 ] وهو دليل على أنه علم موضع موته ودفنه . أم سلمة
وقد روي عنه، أنه قال: "لم يقبض نبي إلا دفن حيث يقبض " .
خرجه وغيره . ابن ماجه
وأما إطلاع غير الأنبياء على بعض أفراد ذلك فهو - كما تقدم - لا يحتاج إلى استثنائه; لأنه لا يكون علما يقينا، بل ظنا غالبا، وبعضه وهم، وبعضه حدس وتخمين، وكل هذا ليس بعلم، فلا يحتاج إلى استثنائه مما انفرد الله سبحانه وتعالى بعلمه، كما تقدم، والله سبحانه وتعالى أعلم .