[ ص: 43 ]  (سورة الفاتحة ) 
بسم الله الرحمن الرحيم  الحمد لله رب العالمين  الرحمن الرحيم  مالك يوم الدين  إياك نعبد وإياك نستعين  اهدنا الصراط المستقيم  صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين  
* * * 
ابتدأ كلام الله تعالى بـ بسم الله الرحمن الرحيم  ، وهي مقدمة لتلاوة كل سورة من سور القرآن ، وروي عن بعض الصحابة : " إننا كنا نعرف نهاية سورة وابتداء سورة بنزول قوله تعالى : (بسم الله الرحمن الرحيم ) وروي عن جعفر الصادق بن محمد  رضي الله عنهما ، أنه قال : " البسملة تيجان السور " ، وقد قال  عبد الله بن المبارك   : " إنها جزء من كل سورة ; ولذلك يجب ابتداء السورة بقراءتها   .  [ ص: 44 ] على أنها جزء منها ، وقال  الشافعي   : " إنها جزء من الفاتحة " ، وتردد في عدها جزءا من كل سورة ، ولكنها مهما تكن ليست جزءا من غير الفاتحة ، وهي لازمة للفصل بين سورة وسورة من السور التي ابتدأت بذكرها . 
ولأن ثمة كلاما في كون سورة براءة ليست مستقلة عن سورة الأنفال ، وعدها الأكثرون جزءا منها - لم تكن مبتدأة بالبسملة ، وينسب إلى الإمام  مالك  رضي الله تبارك وتعالى عنه أنها ليست جزءا من سورة الفاتحة أو غيرها ، ومؤدى هذا القول أنها ليست من القرآن ككلمة " آمين " في آخر الفاتحة ; إذ إن الفاتحة ضراعة إلى الله تعالى ، فناسب أن تذكر بعدها " آمين " ، وعد القرطبي  في كتابه " أحكام القرآن " أن في مذهب  مالك  أن البسملة ليست من القرآن هو الصحيح ، وذكر أن القرآن كله متواتر ، والبسملة ليست متواترة ، فلا تعد من القرآن ، ولكن تكون علامة على انتهاء سورة ، وابتداء سورة أخرى . 
ومع أنه قرر ذلك - يقرر أن  مالكا  يرى أنها يبتدأ بها في الفرض والنافلة  ، كما رواه ابن نافع  ، وفي الحق أن ذلك القول غريب عن القرآن ، وذلك لأن البسملة متواترة تواتر كل أجزاء القرآن ، فلم تثبت بحديث آحاد ، بل ثبتت بالقرآن نفسه ، فقد كتبت في مصحف  عثمان  وما قبله ، ولا تواتر أبلغ من هذا ، وما كان للشيخين  أبي بكر   وعمر  ،  وذي النورين  وجميع الصحابة أن يدونوا في المصحف ما ليس من القرآن ، و " آمين " هي التي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنطق بها في عقب قراءة الفاتحة . 
إن ادعاء أنها ثبتت بخبر آحاد يقتضي ذكر ذلك الخبر ، ورواته ، ومقدار قوتهم ، وضعفهم ، وعددهم ، وليس كذلك ، بل هي ثبتت مقترنة بسور القرآن على أنها ثابتة بين كل سورة وسورة . 
 [ ص: 45 ] والسورة التي لم تصدر بها ، ثبت عدم تقدمها لهذه السورة بالتواتر ، فهي متواترة بالذكر في كل السور ، ومتواترة بالسلب في سورة واحدة . 
ولهذا نرى أن نسبة ذلك القول إلى إمام دار الهجرة  مالك  هو في ذاته موضع نظر ، وقد اقترن ذلك بادعاء أنه لم يقرأها أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيقول القرطبي  عفا الله عنه : " في مسجد النبي   - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة  انقرضت عليه العصور ومرت عليه الأزمنة والدهور من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى زمان  مالك  ، ولم يقرأ أحد فيه قط (بسم الله الرحمن الرحيم ) اتباعا لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم . 
وإن لنا أن نرد ذلك القول ، ونأخذ ذلك من كلامه هو ، فهو قد روى أن  عمر  ،  وعليا  ،  وابن مسعود  ،  وعمار بن ياسر  ، كانوا يقرأونها ويسرون بها . 
وروى هو أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يسر بها ولا يجهر ، فقد روي عن  أنس بن مالك  رضي الله عنه أنه قال : " كان يصلي بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يسمعنا قراءة بسم الله الرحمن الرحيم  " وروي عنه أيضا : صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وخلف  أبي بكر  ،  وعمر  ، فلم أسمع أحدا منهم يجهر بـ " بسم الله الرحمن الرحيم "  . 
فالأمر أمر الجهر بها  ، لا أمر تركها ، وفرق كبير بين الترك لها أصلا ، وترك الجهر بها . 
وبذلك ينتفي ما ادعاه من أن أحدا لم يقرأها ، اتباعا للسنة إن كانت سنة ، وذلك لأنهم قرأوها خفية وفي سر ، آخذين ذلك من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم . 
 [ ص: 46 ] ومن كتاب الله عز وجل : واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين   . 
وننتهي من هذا إلى أن البسملة جزء من القرآن الكريم  ، وهي فاصلة بين السور تدل على الانتهاء من سورة والابتداء بسورة أخرى . 
وإن  الشافعي  يعدها جزءا من الفاتحة ، ومهما يكن فإنه لا بد من البدء بقراءتها ، وغيره يوجب البدء بها لا على أنها جزء من الفاتحة ، ولكن على أنها قرآن يبدأ به في أول كل سورة . 
والأكثرون عدوها على أنها يبتدأ بها سرا لا جهرا أو تضرعا في خفية ، ودون الجهر من القول ، والله سبحانه وتعالى أعلم . 
* * * 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					