[ ص: 175 ] [ ص: 176 ] [ ص: 177 ] مناقشة (247) قضية من (62) سورة قرآنية [ ص: 178 ] [ ص: 179 ] 1- باب: ذكر الآيات اللواتي ادعي عليهن النسخ في سورة البقرة
ذكر الآية الأولى: قوله تعالى: ومما رزقناهم ينفقون اختلف المفسرون في المراد بهذه النفقة على أربعة أقوال: أحدها: أنها النفقة على الأهل والعيال ، قاله ابن مسعود . وحذيفة
[ ص: 180 ] والثاني: الزكاة المفروضة ، قاله ، ابن عباس . وقتادة
والثالث: الصدقات النوافل ، قاله مجاهد . والضحاك
والرابع: أن الإشارة بها إلى نفقة كانت واجبة قبل الزكاة .
ذكره بعض ناقلي التفسير ، وزعموا: أنه كان فرض على الإنسان أن يمسك مما في يده قدر كفايته يومه وليلته ، ويفرق باقيه على الفقراء ثم نسخ ذلك بآية الزكاة ، وهذا قول ليس بصحيح [ ص: 181 ] لأن لفظ الآية لا يتضمن ما ذكروا ، وإنما يتضمن مدح المنفق ، والظاهر ، أنها تشير إلى الزكاة لأنها قرنت مع الإيمان بالصلاة .
وعلى هذا ، لا وجه للنسخ وإن كانت تشير إلى الصدقات النوافل ، والحث عليها باق ، والذي أرى ، ما بها مدح لهم على جميع نفقاتهم في الواجب والنفل ، وقد قال : نسخت آية الزكاة كل صدقة كانت قبلها ، ونسخ صوم رمضان كل صوم كان قبله ، والمراد بهذا كل صدقة وجبت بوجود المال مرسلا كهذه الآية . أبو جعفر يزيد بن القعقاع
[ ص: 182 ] ذكر الآية الثانية: قوله تعالى: إن الذين آمنوا والذين هادوا الآية ، اختلف المفسرون في معنى هذه الآية على ثلاثة أقوال: أحدها: أن المعنى إن الذين آمنوا من هذه الأمة ، والذين هادوا ، وهم أتباع موسى ، والنصارى ، وهم أتباع عيسى ، والصابئون: الخارجون من الكفر إلى الإسلام من آمن ، أي: من دام منهم على الإيمان .
والثاني: إن الذين آمنوا بألسنتهم وهم المنافقون والذين هادوا: وهم اليهود ، والنصارى والصابئون: وهم كفار أيضا: من آمن أيمن دخل في الإيمان بنية صادقة .
والثالث: إن المعنى: إن الذين آمنوا ومن آمن من الذين هادوا ، فيكون قوله بعد هذا: من آمن راجعا إلى المذكورين مع الذين آمنوا ، [ ص: 183 ] ومعناه: من يؤمن منهم ، وعلى هذه الأقوال الثلاثة لا وجه لادعاء نسخ هذه الآية ، وقد قيل: إنها منسوخة بقوله: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه .
" فأخبرنا المبارك بن علي الصيرفي ، قال: أخبرنا أحمد بن الحسن بن قريش ، قال: أخبرنا ، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي محمد بن إسماعيل الوراق ، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي داود ، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان ، قال: حدثنا أبو صالح ، قال: حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن رضي الله عنهما " ابن عباس إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين الآية ، قال: فأنزل الله تعالى بعد هذه الآية: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " قلت: فكأنه أشار بهذا إلى النسخ وهذا القول لا يصح لوجهين: [ ص: 184 ] أحدهما: أنه إن أشير بقوله: والذين هادوا والنصارى إلى من كان تابعا لنبيه قبل أن يبعث النبي الآخر ، فأولئك على الصواب ، وإن أشير إلى من كان في زمن نبينا صلى الله عليه وسلم ، فإن من ضرورة من لم يبدل دينه ولم يحرف أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ويتبعه .
والثاني: أن هذه الآية خبر والأخبار لا يدخلها النسخ .
ذكر الآية الثالثة: قوله تعالى: بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته جمهور المفسرين على أن المراد بالسيئة الشرك ، فلا يتوجه على هذا [ ص: 185 ] القول نسخ أصلا ، وقد روى السدي عن أشياخه: أن المراد بالسيئة الذنب من الذنوب التي وعد الله تعالى عليها النار ، فعلى هذا يتوجه النسخ بقوله: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء على أنه يجوز أن يحمل ذلك ، على من أتى السيئة مستحلا فلا يكون نسخا .
[ ص: 186 ] ذكر الآية الرابعة: قوله تعالى: وقولوا للناس حسنا اختلف المفسرون في المخاطبين بهذا على قولين: أحدهما: أنهم اليهود ، والتقدير من سألكم عن شأن محمد صلى الله عليه وسلم فاصدقوه وبينوا له صفته ولا تكتموا أمره ، قاله ، ابن عباس ، وابن جبير وابن جريج ، . ومقاتل
[ ص: 187 ] والثاني: أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم اختلف أرباب هذا القول ، فقال مروهم بالمعروف ، وانهوهم عن المنكر ، وقال الحسن : وقولوا للناس معروفا ، وقال أبو العالية محمد بن علي بن الحسين : كلموهم بما تحبون أن يقولوا لكم فعلى هذا الآية محكمة .
[ ص: 188 ] وذهب قوم إلى أن المراد بذلك: مساهلة المشركين في دعائهم إلى الإسلام ، فالآية عند هؤلاء منسوخة بآية السيف وهذا قول بعيد ، لأن لفظ الناس عام فتخصيصه بالكفار يفتقر إلى دليل ولا دليل هاهنا ، ثم إن إنذار الكفار من الحسنى .
[ ص: 189 ] ذكر الآية الخامسة: قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا ، قال المفسرون: كانت هذه الكلمة لغة في الأنصار ، وهي من راعيت الرجل إذا تأملته وتعرفت أحواله ومنه قولهم: أرعني سمعك ، وكانت الأنصار تقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي بلغة اليهود سب بالرعونة ، وكانوا يقولونها له وينوون بها السب ، فنهى الله سبحانه المؤمنين عن قولها لئلا يقولها اليهود ، [ ص: 190 ] وأمرهم أن يجعلوا مكانها أنظرنا ، وقرأ ، الحسن ، والأعمش وابن المحيصن : راعنا بالتنوين فجعلوه مصدرا ، أي: لا تقولوا رعونة .
وقرأ : لا تقولوا راعونا على الأمر بالجماعة ، كأنه نهاهم أن يقولوا ذلك فيما بينهم ، والنهي في مخاطبة النبي بذلك أولى ، وهذه الآية قد ذكروها في المنسوخ ، ولا وجه لذلك بحال ، ولولا إيثاري [ ص: 191 ] ذكر ما ادعي عليه النسخ لم أذكرها . ابن مسعود
قال : هي ناسخة لما كان مباحا قوله . أبو جعفر النحاس
قلت: وهذا تحريف في القول ، لأنه إذا نهي عن شيء لم تكن الشريعة أتت به ، لم يسم النهي نسخا .
ذكر الآية السادسة: قوله تعالى: فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ، قال المفسرون: أمر الله بالعفو والصفح عن أهل الكتاب قبل أن يؤمر بقتالهم ، ثم نسخ العفو والصفح ، بقوله: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله الآية ، هذا مروي عن ، ابن مسعود رضي الله عنهما وغيرهما . وابن عباس
[ ص: 192 ] " أخبرنا أبو بكر بن حبيب الله العامري ، قال: أخبرنا علي بن الفضل ، قال: أخبرنا ، قال: أخبرنا عبد الصمد ابن حموية ، قال: أخبرنا إبراهيم بن خريم ، قال : بنا عبد الحميد ، قال: بنا ، وأخبرنا مسلم بن إبراهيم إسماعيل بن أحمد ، قال: أخبرنا أبو الفضل البقال ، قال: أبنا ابن بشران ، قال: أخبرنا إسحاق الكاذي ، قال: حدثنا ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد ، كلاهما عن عبد الصمد ، عن همام بن يحيى ، قال: " أمر الله نبيه أن يعفو عنهم ويصفح ، حتى يأتي الله بأمره ، فأنزل في براءة: قتادة قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر الآية فنسخها بهذه [ ص: 193 ] الآية ، وأمره فيها بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا ، أو يقروا بالجزية " قال : وحدثنا أحمد ، قال: حدثنا عبد الرزاق معمر ، عن : " قتادة فاعفوا واصفحوا نسختها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " أخبرنا ابن ناصر ، قال: أخبرنا علي بن أيوب ، قال: أخبرنا ابن شاذان ، قال: أخبرنا ، قال: أخبرنا أبو بكر النجاد ، قال: أبنا أبو داود السجستاني أحمد بن محمد المروزي ، قال: أخبرنا ، قال: حدثنا آدم بن أبي إياس أبو جعفر ، عن ، عن الربيع بن أنس : " أبي العالية فاعفوا واصفحوا ، قال: نسخ بقوله: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر الآية " .