[ ص: 277 ] ذكر الآية السابعة والعشرين: قوله تعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن اختلف المفسرون في المراد بالمشركات هاهنا على قولين: أحدهما: أنهن الوثنيات .
" أخبرنا أبو بكر بن حبيب العامري ، قال: أبنا علي بن الفضل ، قال: أبنا محمد بن عبد الصمد ، قال: أبنا ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد إبراهيم بن خريم ، قال: أبنا عبد الحميد ، قال: أبنا قبيصة ، عن سفيان عن حماد ، قال: [ ص: 278 ] " سألت إبراهيم عن تزويج اليهودية والنصرانية ، قال: لا بأس به ، فقلت: أليس الله تعالى ، يقول: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ، قال: إنما ذلك المجوسيات وأهل الأوثان قال عبد الحميد : حدثنا يونس ، عن ، عن سفيان " قتادة ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ، قال: المشركات العرب اللاتي ليس لهن كتاب يقرأنه ، قال : هن المجوسيات وعابدات الأوثان . سعيد بن جبير
والثاني: أنه عام في الكتابيات وغيرهن من الكافرات ، فالكل مشركات ، وافترق أرباب هذا القول على قولين: أحدهما: أن هذا القدر من الآية نسخ بقوله تعالى: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم .
[ ص: 279 ] " فأخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا عمر بن عبيد الله البقال ، قال: أبنا ابن بشران ، قال: أبنا إسحاق الكاذي ، قال: أبنا ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، قال: أبنا ابن مبارك ، عن يونس ، عن " الزهري ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ، ثم أحل نكاح المحصنات من أهل الكتاب فلم ينسخ من هذه الآية غير ذلك ، فنكاح كل مشرك سوى نساء أهل الكتاب حرام .
والثاني: أن قوله: ولا تنكحوا المشركات لفظ عام خص منه الكتابيات بآية المائدة وهذا تخصيص لا نسخ ، وعلى هذا الفقهاء وهو الصحيح ، وقد زعم قوم أن أهل الكتاب ليسوا مشركين ، وهذا فاسد ، لأنهم قالوا: عزير ابن الله ، والمسيح ابن الله فهم بذلك مشركون .
[ ص: 280 ] ذكر الآية الثامنة والعشرين: قوله تعالى: ويسألونك عن المحيض قل هو أذى توهم قوم قل علمهم أن هذه الآية منسوخة ، فقالوا: هي تقتضي مجانبة الحائض على الإطلاق كما يفعله اليهود ، ثم نسخت بالسنة ، وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح الاستمتاع بالحائض إلا النكاح ، وكان صلى الله عليه وسلم يستمتع من الحائض بما دون الإزار ، وهذا ظن منهم فاسد لأنه لا خلاف بين الآية والأحاديث ، [ ص: 281 ] قال المحيض موضع الدم ، ويوضح هذا التعليل للنهي بأنه أذى ، فخص المنع مكان الأذى ثم لو كانت الأحاديث تضاد الآية قدمت الآية ، لما بينا في أول الكتاب من أن الناسخ ينبغي من أن يشابه المنسوخ في قوته والقرآن أقوى من السنة . أحمد بن حنبل:
[ ص: 282 ] ذكر الآية التاسعة والعشرين: قوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء قد ذهب جماعة من القدماء إلى أن في هذه الآية منسوخا ، ثم اختلفوا في المنسوخ منها على قولين: أحدهما: أنه قوله: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء .
قالوا: فكان يجب على كل مطلقة أن تعتد ثلاثة قروء ، فنسخ من ذلك حكم الحامل بقوله: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ونسخ حكم الآيسة والصغيرة من ذلك ، بقوله: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ، ونسخ حكم المطلقة قبل الدخول بقوله: إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ، وهذا مروي عن رضي الله عنهما ، ابن عباس ، إلا أن وقتادة استثنى ، ولفظ ابن عباس نسخ . قتادة
[ ص: 283 ] " أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا أبو الفضل البقال ، قال: أبنا ، قال: أبنا أبو الحسين بن بشران إسحاق الكاذي ، قال: أبنا ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن " قتادة والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ، قال: فجعل عدة المطلقة ثلاث حيض ، ثم نسخ منها التي لم يدخل بها ، فقال: إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فهذه ليس لها عدة ، وقد نسخ من الثلاثة قروء ، امرأتان ، فقال: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم ، فهذه العجوز التي لا تحيض عدتها ثلاثة أشهر ، ونسخ من الثلاثة قروء الحامل ، فقال: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن والقول الثاني: أن أول الآية محكم ، وإنما المنسوخ منها قوله: وبعولتهن أحق بردهن [ ص: 284 ] ، قالوا: فكان الرجل إذا طلق ارتجع ، سواء كان الطلاق ثلاثا أو دون ذلك فنسخ هذا بقوله: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره .
واعلم أن القول الصحيح المعتمد عليه أن هذه الآية كلها محكمة ، لأن أولها عام في المطلقات ، وما ورد في الحامل والآيسة والصغيرة فهو مخصوص من جملة العموم ، وليس على سبيل النسخ ، وأما الارتجاع فإن الرجيعة زوجة ، ولهذا قال: وبعولتهن ، ثم بين الطلاق الذي يجوز منه الرجعة ، فقال: الطلاق مرتان إلى قوله: فإن طلقها يعني الثلاثة فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره .
ذكر الآية الثلاثين: قوله تعالى: الطلاق مرتان [ ص: 285 ] قد زعم قوم: أن هذه الآية نسخت ما كانوا عليه ، من أن أحدهم كان يطلق ما شاء .
" أخبرنا ابن ناصر ، قال: أبنا علي بن أيوب ، قال: أبنا ابن شاذان ، قال: أبنا ، قال: أبنا أبو بكر النجاد ، قال: أبنا أبو داود السجستاني أحمد بن محمد ، قال: أبنا علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن ، عن عكرمة رضي الله عنهما ، قال: " كان الرجل إذا طلق امرأته ، فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ الله ذلك ، فقال: ابن عباس الطلاق مرتان الآية وروى سعيد ، عن ، في قوله تعالى: قتادة الطلاق مرتان ، قال: فنسخ هذا ما كان قبله وجعل الله حد الطلاق ثلاثا .
قلت: وهذا يجوز في الكلام يريدون به تغيير تلك الحال وإلا فالتحقيق أن هذا لا يقال فيه ناسخ ولا منسوخ ، وإنما هو ابتداء شرع وإبطال لحكم العادة .
[ ص: 286 ] وزعم آخرون: أن هذه الآية لما اقتضت إباحة الطلاق على الإطلاق من غير تعيين زمان ، نزل قوله: فطلقوهن لعدتهن أي: من قبل عدتهن وذلك أن تطلق المرأة في زمان طهرها لتستقبل الاعتداد بالحيض ، وهذا قول من لا يفهم الناسخ والمنسوخ ، وإنما أطلق الطلاق في هذه الآية وبين في الأخرى كيف ينبغي أن يوقع ، ثم إن الطلاق واقع ، وإن طلقها في زمان الحيض ، فعلم أنه تعليم أدب والصحيح أن الآية محكمة .