الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن صلى الظهر في منزله يوم الجمعة قبل صلاة الإمام ولا عذر له كره له ذلك وجازت صلاته ) وقال زفر : لا يجزئه ; لأن عنده الجمعة هي الفريضة أصالة . والظهر كالبدل عنها ، ولا مصير إلى البدل مع القدرة على الأصل . ولنا أن أصل الفرض هو الظهر في حق الكافة ، هذا هو الظاهر إلا أنه مأمور بإسقاطه [ ص: 64 ] بأداء الجمعة ، وهذا ; لأنه متمكن من أداء الظهر بنفسه دون الجمعة لتوقفها على شرائط لا تتم به وحده ، وعلى التمكن يدور التكليف .

[ ص: 63 ]

التالي السابق


[ ص: 63 ] قوله : كره له ذلك إلخ ) لا بد من كون المراد حرم عليه ذلك ، وصحت الظهر ; لأنه ترك الفرض القطعي باتفاقهم الذي هو آكد من الظهر فكيف لا يكون مرتكبا محرما ، غير أن الظهر تقع صحيحة وإن كان مأمورا بالإعراض عنها . وقال زفر : لا يجوز ; لأن الفرض في حقه الجمعة والظهر بدل عنها ; لأنه مأمور بأداء الجمعة معاقب بتركها ، ومنهي عن أداء الظهر مأمور بالإعراض عنها ما لم يقع اليأس عن الجمعة ، وهذا هو صورة الأصل والبدل ، ولا يجوز أداء البدل مع القدرة على الأصل .

قلنا : بل فرض الوقت الظهر بالنص ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم { وأول وقت الظهر حين تزول الشمس مطلقا في الأيام } ودلالة الإجماع أعني الإجماع على أن بخروج الوقت يصلي الظهر بنية القضاء ، فلو لم يكن أصل فرض الوقت الظهر لما نوى القضاء ، والمعقول إذ أصل الفرض في حق الكل ما يتمكن كل من أدائه بنفسه ، فما قرب إلى وسعه فهو أحق والظهر أقرب ; لتمكنه منه كذلك بخلاف الجمعة ; لتوقفها على الشرائط لا تتم به وحده ، وتلك ليس في وسعه ، وإنما يحصل له ذلك اتفاقا باختيار آخرين كاختيار السلطان وقدرته في الأمر ، واختيار آخر وآخر ليحصل به معهما الجماعة وغير ذلك ، فكان الظهر أولى بالأصلية ، وعلى الأول أن يقال مفاده أن كل وقت ظهر يدخل حين تزول والمطلوب أن كل ما زالت دخل وقت الظهر ، وإنما يفاد بعكس الاستقامة لها وهو لا يثبت كليا . سلمناه ، لكن خروج الزوال يوم الجمعة من تلك الكلية أعني العكس معلوم قطعا من الشرع للقطع بوجوب الجمعة فيه والنهي عن تركها إلى [ ص: 64 ] الظهر ، ولا يخفى ضعف الوجه الثالث ، إذ لو تم استلزم عدم وجوب الجمعة على كل فرد والمتحقق وجوبها على كل واحد فيحصل من الامتثال توفر الشروط ، والمعول عليه الوجه الثاني ، وهو يستلزم عدم تخصيص الأول ، فيلزم أن وجهه حينئذ وجوب الظهر أولا ثم يجب إسقاطه بالجمعة ، وفائدة هذا الوجوب حينئذ جواز المصير إليه عند العجز عن الجمعة إذ كانت صحتها تتوقف على شرائط ربما لا تتحصل فتأمل .

وإذا كان وجوب الظهر ليس إلا على هذا المعنى لم يلزم من وجوبها كذلك صحتها قبل تعذر الجمعة ، والفرض أن الخطاب قبل تعذرها لم يتوجه عليه إلا بها .




الخدمات العلمية