الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإن ) ( أمكنه أن يمس الحجر شيئا في يده ) كالعرجون وغيره ( ثم قيل ذلك فعل ) لما روي { أنه عليه الصلاة والسلام طاف على راحلته واستلم الأركان بمحجنه } [ ص: 451 ] وإن لم يستطع شيئا من ذلك استقبله وكبر وهلل وحمد الله وصلى على النبي عليه الصلاة والسلام .

التالي السابق


( قوله وإن أمكنه أن يمس الحجر شيئا في يده ) أو يمسه بيده ( ويقبل ما مس به فعل ) أما الأول فلما أخرج الستة إلا الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه لأن يراه الناس وليشرف وليسألوه فإن الناس غشوه } .

وأخرجه البخاري عن جابر إلى قوله لأن يراه الناس . ورواه مسلم عن أبي الطفيل { رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على راحلته يستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن } .

وهاهنا إشكال حديثي ، وهو أن الثابت بلا شبهة { أنه عليه الصلاة والسلام رمل في حجة الوداع في غير موضع } ومن ذلك حديث جابر الطويل فارجع إليه ، وهذا ينافي طوافه على الراحلة . فإن أجيب : بحمل حديث الراحلة على العمرة دفعه حديث عائشة رضي الله عنها في مسلم { طاف عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع على راحلته يستلم الركن كراهية أن يصرف الناس عنه } ومرجع الضمير فيه إن احتمل كونه الركن : يعني أنه لو طاف ماشيا لانصرف الناس عن الحجر كلما جاء إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له أن يزاحم ، لكنه يحتمل كون مرجعه النبي صلى الله عليه وسلم : يعني لو لم يركب لانصرف الناس عنه ، لأن كل من رام الوصول إليه لسؤال أو لرؤية لاقتداء لا يقدر لكثرة الخلق حوله ، فينصرف من غير تحصيل حاجته فيجب الحمل عليه لموافقة هذا الاحتمال حديث ابن عباس ، فيحصل اجتماع الحديثين دون تعارضهما .

والجواب : أن في الحج للآفاقي أطوفة فيمكن كون المروي من ركوبه كان في طواف الفرض يوم النحر ليعلمهم ، ومشيه كان في طواف القدوم وهو الذي يفيده حديث جابر الطويل لأنه حكى ذلك الطواف الذي بدأ به أول دخوله مكة ، كما يفيده سوقه للناظر فيه . فإن قلت : فهل يجمع بين ما عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم { إنما طاف راكبا ليشرف ويراه الناس فيسألوه } ، وبين ما عن سعيد بن جبير أنه إنما طاف كذلك لأنه كان يشتكي .

كما قال محمد : أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان { أنه سعى بين الصفا والمروة مع عكرمة [ ص: 451 ] فجعل حماد يصعد الصفا وعكرمة لا يصعد . ويصعد حماد المروة وعكرمة لا يصعدها ، فقال حماد : يا أبا عبد الله ألا تصعد الصفا والمروة ؟ فقال : هكذا كان طواف رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال حماد : فلقيت سعيد بن جبير فذكرت له ذلك ، فقال إنما طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وهو شاك يستلم الأركان بمحجن ، فطاف بين الصفا والمروة على راحلته فمن أجل ذلك لم يصعد } ا هـ .

فالجواب بأن يحمل ذلك على أنه كان في العمرة .

فإن قلت : قد ثبت في مسلم عن ابن عباس إنما { سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورمل بالبيت ليري المشركين قوته } وهذا لازم أن يكون في العمرة إذ لا مشرك في حجة الوداع بمكة .

فالجواب : نحمل كلا منهما على عمرة غير الأخرى ، والمناسب حديث ابن عباس كونه في عمرة القضاء لأن الإرادة تفيده فليكن ذلك الركوب للشكاية في غيرها وهي عمرة الجعرانة . وسنسعفك بعد عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب الفوات إن شاء الله تعالى ، وأما الثاني ففي الصحيحين واللفظ لمسلم عن نافع قال { رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده ثم يقبل يده ، وقال : ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله } وذكر في فتاوى قاضي خان مسح الوجه باليد مكان تقبيل اليد ( قوله فإن لم يستطع شيئا من ذلك ) أي من التقبيل والمس باليد أو بما فيها ( استقبله ) ويرفع يديه مستقبلا بباطنهما إياه ( وكبر وهلل وحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ) ويفعل في كل شوط عند الركن الأسود ما يفعله في الابتداء




الخدمات العلمية